الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٤٥
ويقطع دابر الكافرين. ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون. إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين.
____________________
الشوكة، وبما أمر الملائكة من نزولهم للنصرة، وبما قضى من أسرهم وقتلهم وطرحهم في قليب بدر. والدابر الآخر فاعل من دبر إذا أدبر ومنه دابرة الطائر، وقطع الدابر عبارة عن الاستئصال: يعنى أنكم تريدون الفائدة العاجلة وسفساف الأمور، وأن لا تلقوا ما يرزؤكم في أبدانكم وأحوالكم، والله عز وجل يريد معاني الأمور وما يرجع إلى عمارة الدين ونصرة الحق وعلو الكلمة والفوز في الدارين، وشتان ما بين المرادين، ولذلك اختار لكم الطائفة ذات الشوكة وكسر قوتهم بضعفكم وغلب كثرتهم بقتلكم وأعزكم وأذلهم وحصل لكم مالا تعارض أدناه العير وما فيها. وقرئ بكلمته على التوحيد. فإن قلت: بم يتعلق قوله (ليحق الحق)؟ قلت: بمحذوف تقديره: ليحق الحق ويبطل الباطل، فعل ذلك ما فعله إلا لهما، وهو إثبات الإسلام وإظهاره وإبطال الكفر ومحقه. فإن قلت:
أليس هذا تكريرا؟ قلت: لا لأن المعنيين متباينان، وذلك أن الأول تمييز بين الإرادتين وهذا بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها لهم ونصرتهم عليها، وأنه ما نصرهم ولا خذل أولئك إلا لهذا الغرض الذي هو سيد الأغراض، ويجب أن يقدر المحذوف متأخرا حتى يفيد معنى الاختصاص فينطبق عليه المعنى، وقيل قد تعلق بيقطع. فإن قلت: بم يتعلق (إذ تستغيثون)؟ قلت: هو بدل من إذ يعدكم، وقيل بقوله - ليحق الحق ويبطل الباطل - واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لابد من القتال طفقوا يدعون الله ويقولون: أي ربنا انصرنا على عدوك يا غياث المستغيثين أغثنا. وعن عمر رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى المشركين وهم ألف وإلى أصحابه وهم ثلاثمائة، فاستقبل القبلة ومد يديه يدعو: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض، فما زال كذلك حتى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكر رضي الله عنه فألقاه على منكبه والتزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك منا شدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك " (أنى ممدكم) أصله بأني ممدكم فحذف الجار وسلط عليه استجاب فنصب محله. وعن أبي عمرو أنه قرأ: إني ممدكم بالكسر على إرادة القول، أو على إجراء استجاب مجرى قال لأن الاستجابة من القول. فإن قلت: هل قاتلت الملائكة يوم بدر؟ قلت:
اختلف فيه فقيل نزل جبريل في يوم بدر في خمسمائة ملك على الميمنة وفيها أبو بكر، وميكائل في خمسمائة على الميسرة وفيها علي بن أبي طالب في صور الرجال عليهم ثياب بيض وعمائم بيض وقد أرخوا أذنابها بين أكتافهم فقاتلت. وقيل قاتلت يوم بدر ولم تقاتل يوم الأحزاب ويوم حنين. وعن أبي جهل أنه قال لابن مسعود: من أين كان ذلك الصوت الذي كنا نسمع ولا نرى شخصا؟ قال: من الملائكة، فقال أبو جهل: هم غلبونا لا أنتم.
وروى أن رجلا من المسلمين بينما هو يشتد في أثر رجل من المشركين إذ سمع صوت ضربة بالسوط فوقه، فنظر إلى المشرك قد خر مستلقيا وشق وجهه، فحدث الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت ذاك من مدد السماء. وعن أبي داود المازني: تبعت رجلا من المشركين لأضر به يوم بدر فوقع رأيه بين يدي قبل أن يصل إليه سيفي. وقيل لم يقاتلوا وإنما كانوا يكثرون السواد ويثبتون المؤمنين، وإلا فملك واحد كاف في إهلاك أهل الدنيا كلهم، فإن جبريل عليه السلام أهلك بريشة من جناحه مدائن قوم لوط، وأهلك بلاد ثمود قوم صالح
(١٤٥)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»