الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٢١
للذين هم لربهم يرهبون. واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك
____________________
مفعول كالخطبة (لربهم يرهبون) دخلت اللام لتقدم المفعول لأن تأخر الفعل عن مفعوله يكسبه ضعفا ونحوه - للرؤيا تعبرون - وتقول لك ضربت (واختار موسى قومه) أي من قومه فحذف الجار وأوصل الفعل كقوله:
* منا الذي اختير الرجال سماحة * قيل اختار من اثنى عشر سبطا من كل سبط ستة حتى تتاموا اثنين وسبعين فقال: لا يتخلف منكم رجلان فتشاحوا، فقال: إن لمن قعد منكم مثل أجر من خرج، فقعد كالب ويوشع.
وروى أنه لم يصب إلا ستين شيخا، فأوحى الله تعالى إليه أن يختار من الشبان عشرة، فاختارهم فأصبحوا شيوخا.
وقيل كانوا أبناء ما عدا العشرين ولم يتجاوزوا الأربعين قد ذهب عنهم الجهل والصبا، فأمرهم موسى أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم، ثم خرج بهم إلى طور سينا لميقات ربه، وكان أمره ربه أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى ودخل فيه وقال للقوم ادنوا، فدنوا حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجدا، فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل، ثم انكشف الغمام فأقبلوا إليه فطلبوا الرؤية، فوعظهم وزجرهم وأنكر عليهم، فقالوا يا موسى - لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة - فقال - رب أرني أنظر إليك - يريد أن يسمعوا الرد والإنكار من جهته، فأجيب بلن تراني ورجف بهم الجبل فصعقوا. ولما كانت الرجفة (قال) موسى (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) وهذا تمن منه للإهلاك قبل أن يرى ما رأى من تبعة طلب الرؤية، كما يقول النادم على الأمر إذا رأى سوء المغبة: لو شاء الله لأهلكني قبل هذا (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) يعني أتهلكنا جميعا: يعني نفسه وإياهم، لأنه إنما طلب الرؤية زجرا للسفهاء، وهم طلبوها سفها وجهلا (إن هي إلا فتنتك) أي محنتك وابتلاؤك حين كلمتني وسمعوا كلامك، فاستدلوا بالكلام على الرؤية استدلالا فاسدا حتى افتتنوا وضلوا (تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء) تضل بالمحنة الجاهلين غير الثابتين في معرفتك وتهدى العالمين بك الثابتين بالقول الثابت، وجعل ذلك إضلالا من الله وهدى منه، لأن محنته لما كانت سببا لأن ضلوا واهتدوا فكأنه أضلهم بها وهداهم على الإتساع في الكلام (أنت ولينا) مولانا القائم بأمورنا (واكتب لنا) وأثبت لنا وأقسم (في هذه الدنيا حسنة) عافية وحياة طيبة وتوفيقا في الطاعة (وفي الآخرة) الجنة (هدنا إليك) تبنا إليك، وهاد إليه يهود: إذا رجع وتاب. والهود جمع هائد: وهو التائب ولبعضهم:
يا راكب الذنب هدهد * واسجد كأنك هدهد
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»