الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٢٥
منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطاياكم سنزيد المحسنين. فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون. واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم،
____________________
باختلاف العبارتين إذا لم يكن هناك تناقض، ولا تناقض بين قوله - اسكنوا هذه القرية وكلوا منها - وبين قوله - فكلوا - لأنهم إذا سكنوا القرية فتسببت سكناهم للأكل منها، فقد جمعوا في الوجود بين سكناها والأكل منها، وسواء قدموا الحطة على دخول الباب أو أخروها فهم جامعون في الإيجاد بينهما وترك ذكر الرغد لا يناقض إثباته وقوله (نغفر لكم خطاياكم سنزيد المحسنين) موعد بشيئين بالغفران وبالزيادة وطرح الواو لا يخل بذلك لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل: وماذا بعد الغفران؟ فقيل له: سنزيد المحسنين. وكذلك زيادة منهم زيادة بيان. وأرسلنا: وأنزلنا، و (يظلمون) ويفسقون من واد واحد. وقرئ يغفر لكم خطيئاتكم وتغفر لكم خطاياكم وخطيئاتكم وخطيئتكم على البناء للمفعول (وسلهم) وسل اليهود، وقرئ واسألهم، وهذا السؤال معناه التقرير والتقريع بقديم كفرهم وتجاوزهم حدود الله، والإعلام بأن هذا من علومهم التي لا تعلم إلا بكتاب أو وحي، فإذا أعلمهم به من لم يقرأ كتابهم علم أنه من جهة الوحي، ونظيره همزة الاستفهام التي يراد بها التقرير في قولك: أعدوتم في السبت. والقرية أيلة، وقيل مدين، وقيل طبرية، والعرب تسمي المدينة قرية. وعن أبي عمرو بن العلاء: ما رأيت قرويين أفصح من الحسن والحجاج: يعني رجلين من أهل المدن (حاضرة البحر) قريبة منه راكبة لشاطئه (إذا يعدون في السبت) إذ يتجاوزون حد الله فيه وهو اصطيادهم في يوم السبت وقد نهوا عنه. وقرئ يعدون بمعنى يعتدون، أدغمت التاء في الدال ونقلت حركتها إلى العين، ويعدون من الإعداد، وكانوا يعدون آلات الصيد يوم السبت وهم مأمورون بأن لا يشتغلوا فيه بغير العبادة. والسبت مصدر سبتت اليهود: إذا عظمت سبتها بترك الصيد والاشتغال بالتعبد، فمعناه: يعدون في تعظيم هذا اليوم، وكذلك قوله (يوم سبتهم) معناه يوم تعظيمهم أمر السبت، ويدل عليه قوله (ويوم لا يسبتون) وقراءة عمر بن عبد العزيز: يوم إسباتهم. وقرئ لا يسبتون بضم الباء، وقرأ على: لا يسبتون بضم الياء من أسبتوا، وعن الحسن: لا يسبتون على البناء للمفعول: أي لا يدار عليهم السبت ولا يؤمرون بأن يسبتوا. فإن قلت: إذ يعدون وإذ تأتيهم ما محلهما من الإعراب؟ قلت: أما الأول فمجرور بدل من القرية، والمراد بالقرية أهلها كأنه قيل: واسألهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في السبت، وهو من بدل الاشتمال، ويجوز أن يكون منصوبا بكانت أو بحاضرة، وأما الثاني فمنصوب بيعدون، ويجوز أن يكون بدلا بعد بدل. والحيتان السمك، وأكثر ما تستعمل العرب الحوت في معنى السمكة (شرعا) ظاهرة على وجه الماء، وعن الحسن تشرع على أبوابهم كأنها الكباش البيض، يقال شرع علينا
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»