الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١١٨
(جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين.
ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين. ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم
____________________
والفاعل واحد، ولأنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به فكأنهم أجمعوا عليه. والثاني أن يراد واتخذوه إلها وعبدوه وقرئ من حليهم بضم الحاء والتشديد جمع حلى كثدي وثدى، ومن حليهم بالكسر للإتباع كدلى، ومن حليهم على التوحيد، والحلي اسم لما يتحسن به من الذهب والفضة. فإن قلت: لم قال من حليهم ولم يكن الحلي لهم إنما كانت عواري في أيديهم؟ قلت: الإضافة تكون بأدنى ملابسة وكونها عواري في أيديهم كفى به ملابسة على أنهم قد ملكوها بعد المهلكين كما ملكوا غيرها من أملاكهم، ألا ترى إلى قوله عز وعلا - فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل - (جسدا) بدنا ذا لحم كسائر الأجساد. والخوار صوت البقر. قال الحسن: إن السامري قبض قبضة من تراب من أثر فرس جبريل عليه السلام يوم قطع البحر فقذفه في في العجل فكان عجلا له خوار. وقرأ علي رضي الله عنه جؤار بالجيم والهمزة من جأر إذا صاح، وانتصاب جسدا على البدل من عجلا (ألم يروا) حين اتخذوه إلها أنه لا يقدر على كلام ولا على هداية سبيل حتى لا يختاروه على من لو كان البحر مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفذ كلماته، وهو الذي هدى الخلق إلى سبيل الحق ومناهجه بما ركز في العقول من الأدلة وبما أنزل في كتبه، ثم ابتدأ فقال (اتخذوه) أي أقدموا على ما أقدموا عليه من الأمر المنكر (وكانوا ظالمين) واضعين كل شئ في غير موضعه، فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم ولا أول مناكيرهم (ولما سقط في أيديهم) ولما اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل، لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاقده وقع فيها، وسقط مسند إلى في أيديهم وهو من باب الكناية. وقرأ أبو السميفع سقط في أيديهم على تسمية الفاعل: أي وقع العض فيها. وقال الزجاج: معناه سقط الندم في أيديهم: أي في قلوبهم وأنفسهم كما يقال حصل في يده مكروه وإن كان محالا أن يكون في اليد تشبيها لما يحصل في القلب وفي النفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين (ورأوا أنهم قد ضلوا) وتبينوا ضلالهم تبينا كأنهم أبصروه بعيونهم. وقرئ لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا بالتاء وربنا بالنصب على النداء، وهذا كلام التائبين كما قال آدم وحواء عليهما السلام - وإن لم تغفر لنا وترحمنا - الأسف: الشديد الغضب - فلما آسفونا انتقمنا منهم - وقيل هو الحزين (خلفتموني) قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي، وهذا الخطاب إما أن يكون لعبدة العجل من السامري وأشياعه، أو لوجوه بني إسرائيل وهم هارون عليه السلام والمؤمنون معه، ويدل عليه قوله - اخلفني في قومي - والمعنى: بئس ما خلفتموني حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله، أو حيث لم تكفوا من عبد غير الله. فإن قلت: أين ما تقتضيه بئس من الفاعل والمخصوص بالذم؟ قلت: الفاعل مضمر يفسره ما خلفتموني، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: بئس خلافة خلفتمونيها من بعد خلافتكم. فإن قلت: أي معنى لقوله (من بعدي) بعد
(١١٨)
مفاتيح البحث: الخسران (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»