الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٢٠
المفترين. الذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم. ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة
____________________
خروجهم من ديارهم، لأن ذل الغربة مثل مضروب. وقيل هو ما نال أبناءهم وهم بنو قريظة والنضير من غضب الله تعالى بالقتل والجلاء، ومن الذلة بضرب الجزية (المفترين) المتكذبين على الله، ولا فرية أعظم من قول السامري - هذا إلهكم وإله موسى - ويجوز أن يتعلق في الحياة الدنيا بالذلة وحدها، ويراد سينالهم غضب في الآخرة وذلة في الحياة الدنيا - وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله - (والذين عملوا السيئات) من الكفر والمعاصي كلها (ثم تابوا) ثم رجعوا (من بعدها) إلى الله واعتذروا إليه (وآمنوا) وأخلصوا الإيمان (إن ربك من بعدها) من بعد تلك العظائم (لغفور) لستور عليهم محاء لما كان منهم (رحيم) منعم عليهم بالجنة، وهذا حكم عام يدخل تحته متخذو العجل ومن عداهم. عظم جنايتهم أولا ثم أردفها تعظيم رحمته، ليعلم أن الذنوب وإن جلت وعظمت فإن عفوه وكرمه أعظم وأجل، ولكن لا بد من حفظ الشريطة وهي وجوب التوبة والإنابة وما وراءه طمع فارغ وأشعبية باردة لا يلتفت إليها حازم (ولما سكت عن موسى الغضب) هذا مثل كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا وألق الألواح وجر برأس أخيك إليك، فترك النطق بذلك وقطع الإغراء ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم وذوق صحيح إلا لذلك، ولأنه من قبيل شعب البلاغة، وإلا فما لقراءة معاوية بن قرة: ولما سكن عن موسى الغضب، لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهزة وطرفا من تلك الروعة. وقرئ ولما سكت وأسكت: أي أسكته الله أو أخوه باعتذاره إليه وتنصله، والمعنى:
ولما طفئ غضبه (أخذ الألواح) التي ألقاها (وفي نسختها) وفيما نسخ منها: أي كتب، والنسخة فعلة بمعنى
(١٢٠)
مفاتيح البحث: الغضب (1)، السكوت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»