الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٢٤
وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا
____________________
جبريل ذهب به ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم، فقال لهم جبريل: هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا لا، قال: هذا محمد النبي الأمي، فآمنوا به وقالوا: يا رسول الله إن موسى أوصانا من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه مني السلام، فرد محمد على موسى عليهما السلام السلام، ثم أقرأهم عشر سور من القرآن نزلت بمكة، ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم، وكانوا يسبتون فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت. وعن مسروق قرئ بين يدي عبد الله فقال رجل: إني منهم، فقال عبد الله: يعني لمن كان في مجلسه من المؤمنين:
وهل يزيد صلحاؤكم عليهم شيئا من يهدي بالحق وبه يعدل. وقيل لو كانوا في طرف من الدنيا متمسكين بشريعة ولم يبلغهم نسخها كانوا معذورين، وهذا من باب الفرض والتقدير، وإلا فقد طار الخبر بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم إلى كل أفق وتغلغل في كل نفق، ولم يبق الله أهل مدر ولا وبر ولا سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر في مشارق الأرض ومغاربها إلا وقد ألقاه إليهم وملأ به مسامعهم وألزمهم به الحجة وهو سائلهم عنه يوم القيامة (وقطعناهم) وصيرناهم قطعا: أي فرقا وميزنا بعضهم من بعض لقلة الألفة بينهم. وقرئ وقطعناهم بالتخفيف (اثنتي عشرة أسباطا) كقولك اثنتي عشرة قبيلة، والأسباط أولاد الولد جمع سبط وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثنى عشر ولدا من ولد يعقوب عليه السلام. فإن قلت: مميز ما عدا العشرة مفرد فما وجه مجيئه مجموعا وهلا قيل اثنى عشر سبطا؟ قلت: لو قيل ذلك لم يكن تحقيقا لأن المراد: وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط لا سبط، فوضع أسباطا موضع قبيلة، ونظيره * بين رماحي مالك ونهشل * و (أمما) بدل من اثنتي عشرة بمعنى وقطعناهم أمما، لأن كل أسباط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد، وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى لا تكاد تأتلف. وقرئ اثنتي عشرة بكسر الشين (فانبجست) فانفجرت والمعنى واحد وهو الانفتاح بسعة وكثرة، وقال العجاج * وكيف غربي دالج تبجسا * فإن قلت: هلا قيل فضرب فانبجست.
قلت: لعدم الإلباس وليجعل الانبجاس مسببا عن الإيحاء بضرب الحجر للدلالة على أن الموحى إليه لم يتوقف عن اتباع الأمر وأنه من انتفاء الشك عنه بحيث لا حاجة إلى الإفصاح به، وقوله (كل أناس) نظير قوله اثنتي عشرة أسباطا يريد كل أمة من تلك الأمم الثنتي عشرة. والأناس اسم جمع غير تكسير نحو رخال وتناء وتوام وأخوات لها ويجوز أن يقال: إن الأصل الكسر والتكسير والضمة بدل من الكسرة كما أبدلت في نحو سكارى وغيارى من الفتحة (وظللنا عليهم الغمام) وجعلناه ظليلا عليهم في التيه (وكلوا) على إرادة القول (وما ظلمونا) وما رجع إلينا ضرر ظلمهم بكفرانهم النعم، ولكن كانوا يضرون أنفسهم ويرجع وبال ظلمهم إليهم (وإذ قيل لهم) واذكر إذ قيل لهم. والقرية بيت المقدس. فإن قلت: كيف اختلف العبارة ههنا وفي سورة البقرة؟ قلت: لا بأس
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»