الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١١٦
إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين.
وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وامر
____________________
ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فإنه من منصوبات أشياخهم والقول ما قال بعض العدلية فيهم:
لجماعة سموا هواهم سنة * وجماعة هم لعمري موكفه قد شبهوه بخلقه وتخوفوا * شنع الورى فتستروا بالبلكفه وتفسير آخر وهو أن يريد بقوله أرني أنظر إليك: عرفني نفسك تعريفا واضحا جليا كأنها إراءة في جلائها بآية مثل آيات القيامة التي تضطر الخلق إلى معرفتك، انظر إليك: أعرفك معرفة اضطرار كأني أنظر إليك كما جاء في الحديث " سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ". بمعنى ستعرفوه معرفة جلية هي في الجلاء كإبصاركم القمر إذا امتلأ واستوى (قال لن تراني) أي لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة ولن تحتمل قوتك تلك الآية المضطرة، ولكن انظر إلى الجبل فإني أورد عليه وأظهر له آية من تلك الآيات، فإن ثبت لتجليها واستقر مكانه ولم يتضعضع فسوف تثبت لها وتطيقها (فلما تجلى ربه للجبل) فلما ظهرت له آية من آيات قدرته وعظمته " جعله دكا وخر موسى صعقا " لعكم ما رأى " فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك " مما اقترحت وتجاسرت " وأنا أول المؤمنين " بعظمتك وجلالك وإن شيئا لا يقوم لبطشك وبأسك (اصطفيتك على الناس) اخترتك على أهل زمانك وآثرتك عليهم (برسالاتي) وهي أسفار التوراة (وبكلامي) وبتكليمي إياك (فخذ ما آتيتك) ما أعطيتك من شرف النبوة والحكمة (وكن من الشاكرين) على النعمة في ذلك فهي من أجل النعم، وقيل خر موسى صعقا يوم عرفة، وأعطي التوراة يوم النحر. فإن قلت: كيف قيل اصطفيتك على الناس وكان هارون مصطفى مثله ونبيا؟ قلت:
أجل ولكنه كان تابعا له وردءا أو وزيرا، والكليم هو موسى عليه السلام والأصيل في حمل الرسالة. ذكروا في عدد الألواح وفي جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح، وقيل سبعة، وقيل لوحين وأنها كانت من زمرد، جاء بها جبريل عليه السلام، وقيل من زبرجدة خضراء وياقوتة حمراء، وقيل أمر الله موسى بقطعها من صخرة صماء لينها له فقطعها بيده وشققها بأصابعه. وعن الحسن كانت من خشب نزلت من السماء فيها التوراة وأن طولها كان عشرة أذرع، وقوله (من كل شئ) في محل النصب مفعول كتبنا و (موعظة وتفصيلا) بدل منه. والمعنى:
كتبنا له كل شئ كان بنو إسرائيل محتاجين إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام، وقيل أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير، يقرأ الجزء منه في سنة، لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى ويوشع وعزير وعيسى عليهم السلام. وعن مقاتل كتب في الألواح " إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئا ولا تقطعوا السبيل ولا تحلفوا باسمي كاذبين، فإن من حلف باسمي كاذبا فلا أزكيه، ولا تقتلوا ولا تزنوا، ولا تعقوا الوالدين " (فخذها) فقلنا له خذها عطفا على كتبنا يجوز أن يكون بدلا من قوله: فخذ ما آتيتك والضمير في خذها للألواح أو لكل شئ لأنه في معنى الأشياء أو للرسالات أو للتوراة. ومعنى (بقوة) بجد وعزيمة فعل
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»