الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١١٩
وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين. قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين. إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا، وكذلك نجزي
____________________
قوله خلفتموني؟ قلت: معناه: من بعد ما رأيتم من توحيد الله ونفي الشركاء عنه وإخلاص العبادة له، أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأكفهم عما طمحت نحوه أبصارهم من عبادة البقر حين قالوا - اجعل لنا إلها كما لهم آلهة - ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة المستخلف من بعده ولا يخالفوه ونحوه - فخلف من بعدهم خلف - أي من بعد أولئك الموصوفين بالصفات الحميدة. يقال عجل من الأمر: إذا تركه غير تام، ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره، ويضمن معنى سبق فيعدى تعديته فيقال: عجلت الأمر. والمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم، فحدثتم أنفسكم بموتي فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم. وروى أن السامري قال لهم حين أخرج لهم العجل وقال:
هذا إلهكم وإله موسى، إن موسى لن يرجع وإنه قد مات. وروى أنهم عدوا عشرين يوما بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا (وألقى الألواح) وطرحها لما لحقه من فرط الدهس وشدة الضجر عند استماعه حديث العجل غضبا لله وحمية لدينه، وكان في نفسه حديدا شديد الغضب، وكان هارون ألين منه جانبا ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل من موسى. وروى أن التوراة كانت سبعة أسباع، فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباعها وبقي منها سبع واحد، وكان فيما رفع تفصيل كل شئ وفيما بقي الهدى والرحمة (وأخذ برأس أخيه) أي بشعر رأسه (يجره إليه) بذؤابته وذلك لشدة ما ورد عليه من الأمر الذي استفزه وذهب بفطنته وظنا بأخيه أنه فرط في الكف (ابن أم) قرئ بالفتح تشبيها بخمسة عشر، وبالكسر على طرح ياء الإضافة، وابن أمي بالياء وابن إم بكسر الهمزة والميم. وقيل كان أخاه لأبيه وأمه، فإن صح فإنما أضافه إلى الأم إشارة إلى أنهما من بطن واحد،. وذلك أدعى إلى العطف والرقة وأعظم للحق الواجب، ولأنها كانت مؤمنة فاعتد بنسبها، ولأنها هي التي قاست فيه المخاوف والشدائد فذكره بحقها (إن القوم استضعفوني) يعني إنه لم يأل جهدا في كفهم بالوعظ والإنذار وبما بلغته طاقته من بذل القوة في مضادتهم حتى قهروه واستضعفوه ولم يبق إلا أن يقتلوه (فلا تشمت بي الأعداء) فلا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إلي. وقرئ فلا يشمت بي الأعداء على نهي الأعداء عن الشماتة، والمراد أنه لا يحل به ما يشمتون به لأجله (ولا تجعلني مع القوم الظالمين) ولا تجعلني في موجدتك علي وعقوبتك لي قرينا لهم وصاحبا، أو ولا تعتقد أني واحد من الظالمين مع براءتي منهم ومن ظلمهم لما اعتذر إليه أخوه وذكر له شماتة الأعداء (قال رب اغفر لي ولأخي) ليرضى أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه فلا تتم لهم شماتتهم، واستغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه ولأخيه إن عسى فرط في حسن الخلافة وطلب أن لا يتفرقا عن رحمته ولا تزال منتظمة لهما في الدنيا والآخرة (غضب من ربهم وذلة) الغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم، والذلة
(١١٩)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»