الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٢٣
قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون. ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون
____________________
مصحوبا بالقرآن مشفوعا به، ويجوز أن يعلق باتبعوا: أي واتبعوا القرآن المنزل مع اتباع النبي والعمل بسنته وبما أمر به ونهى عنه، أو اتبعوا القرآن كما اتبعه مصاحبين له في اتباعه. فإن قلت: كيف انطبق هذا الجواب على قول موسى عليه السلام ودعائه؟ قلت: لما دعا لنفسه ولبني إسرائيل أجيب بما هو منطو على توبيخ بني إسرائيل على استجازتهم الرؤية على الله تعالى وعلى كفرهم بآيات الله العظام التي أجراها على يد موسى، وعرض بذلك في قوله - والذين هم بآياتنا يؤمنون - وأريد أن يكون استماع أوصاف أعقابهم الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به كعبد الله بن سلام وغيره من أهل الكتابين لطفا لهم وترغيبا في إخلاص الإيمان والعمل الصالح، وفي أن يحشروا معهم ولا يفرق بينهم وبين أعقابهم عن رحمة الله التي وسعت كل شئ (إني رسول الله إليكم جميعا) وقيل بعث كل رسول إلى قومه خاصة، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى كافة الإنس وكافة الجن، وجميعا نصب على الحال من إليكم. فإن قلت: (الذي له ملك السماوات والأرض) ما محله؟ قلت: الأحسن أن يكون متنصبا بإضمار: أعني وهو الذي يسمى النصب على المدح، ويجوز أن يكون جرا على الوصف وإن حيل بين الصفة والموصوف بقوله إليكم جميعا، وقوله (لا إله إلا هو) بدل من الصلة التي هي له ملك السماوات والأرض وكذلك (يحيي ويميت) وفي لا إله إلا هو بيان للجملة قبلها، لأن من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة، وفي يحيي ويميت بيان لاختصاصه بالإلهية لأنه لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره (وكلماته) وما أنزل عليه وعلى من تقدمه من الرسل من كتبه ووحيه. وقرئ وكلمته على الإفراد وهي القرآن، أو أراد جنس ما كلم به. وعن مجاهد أراد عيسى ابن مريم. وقيل هي الكلمة التي تكون عنها عيسى وجميع خلقه وهي قوله " كن " وإنما قيل إن عيسى كلمة الله فخص بهذا الاسم لأنه لم يكن لكونه سبب غير الكلمة ولم يكن من نطفة تمنى (لعلكم تهتدون) إرادة أن تهتدوا. فإن قلت: هلا قيل فآمنوا بالله وبي بعد قوله - إني رسول الله إليكم -؟ قلت: عدل عن المضمر إلى الاسم الظاهر لتجرى عليه الصفات التي أجريت عليه، ولما في طريقة الالتفات من مزية البلاغة، وليعلم أن الذي وجب الإيمان به واتباعه هو هذا الشخص المستقل بأنه النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته كائنا من كان أنا أو غيري، إظهارا للنصفة وتفاديا من العصبية لنفسه (ومن قوم موسى أمة) هو المؤمنون التائبون من بني إسرائيل. لما ذكر الذين تزلزلوا منهم في الدين وارتابوا حتى أقدموا على العظيمتين عبادة العجل واستجازة رؤية الله تعالى، ذكر أن منهم أمة موقنين ثابتين يهدون الناس بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة ويرشدونهم وبالحق يعدلون بينهم في الحكم لا يجورون، أو أراد الذين وصفهم ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به من أعقابهم. وقيل إن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا اثنى عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبين إخوانهم، ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين، وهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا. وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»