الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٢٢
قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شئ، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون. الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.
____________________
وقرأ أبو وجرة السعدي هدنا إليك بكسر الهاء من هاده يهيده إذا حركه وأماله، ويحتمل أمرين: أن يكون مبنيا للفاعل والمفعول بمعنى حركنا إليك أنفسنا وأملناها أو حركنا إليك وأملنا على تقدير فعلنا كقولك عدت يا مريض بكسر العين فعلت من العيادة. ويجوز عدت بالإشمام وعدت بإخلاص الضمة فيمن قال: عود المريض وقول القول، ويجوز على هذه اللغة أن يكون هدنا بالضم فعلنا من هاده يهيده (عذابي) من حاله وصفته أني (أصيب به من أشاء) أي من وجب علي في الحكمة تعذيبه، ولم يكن في العفو عنه مساغ لكونه مفسدة. وأما رحمتي فمن حالها وصفتها أنها واسعة تبلغ كل شئ، ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي، وقرأ الحسن من أساء من الإساءة. فسأكتب هذه الرحمة كتبة خاصة منكم يا بني إسرائيل للذين يكونون في آخر الزمان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم بجميع آياتنا وكتبنا يؤمنون لا يكفرون بشئ منها (الذين يتبعون الرسول) الذي نوحي إليه كتابا مختصا به وهو القرآن (النبي) صاحب المعجزات (الذي يجدونه) يجد نعته أولئك الذين يتبعونه من بني إسرائيل (مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ويحل لهم الطيبات) ما حرم عليهم من الأشياء الطيبة كالشحوم وغيرها أو ما طاب في الشريعة، والحكم مما ذمر اسم الله عليه من الذبائح وما خلى كسبه من السحت (ويحرم عليهم الخبائث) ما يستخبث من نحو الدم والميتة ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، أو ما خبث في الحكم كالربا والرشوة وغيرهما من المكاسب الخبيثة. الإصر: الثقل الذي يأصر صاحبه: أي يحبسه من الحراك لثقله، وهو مثل لثقل تكليفهم وصعوبته نحو اشتراط قتل الأنفس في صحة توبتهم. وكذلك الأغلال مثل لما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة، نحو بت القضاء بالقصاص عمدا كان أو خطأ من غير شرع الدية، وقطع الأعضاء الخاطئة، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب، وإحراق الغنائم، وتحريم العروق في اللحم، وتحريم السبت. وعن عطاء كانت بنو إسرائيل إذا قامت تصلي لبسوا المسوح وغلوا أيديهم إلى أعناقهم، وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها إلى السارية يحبس نفسه على العبادة. وقرئ آصارهم على الجمع (وعزروه) ومنعوه حتى لا يقوى عليه عدو. وقرئ بالتخفيف، وأصل العزر المنع، ومنه التعزير للضرب دون الحد لأنه منع من معاودة القبيح، ألا ترى إلى تسمية الحد، والحد هو المنع و (النور) القرآن. فإن قلت: ما معنى قوله (أنزل معه) وإنما أنزل مع جبريل؟ قلت: معناه أنزل مع نبوته، لأن استنباءه كان
(١٢٢)
مفاتيح البحث: الزكاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»