الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١١٧
قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين. سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين. والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون. واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا)
____________________
أولي العزم من الرسل (يأخذوا بأحسنها) أط فيها ما هو حسن وأحسن كالإقتصاص والعفو والانتصار والصبر، فمرهم أن يحملوا على أنفسهم في الأخذ بما هو أدخل في الحسن وأكثر للصواب كقوله تعالى - واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم - وقيل يأخذوا بما هو واجب أو ندب لأنه أحسن من المباح، ويجوز أن يراد يأخذوا بما أمروا به دون ما نهوا عنه على قولك: الصيف أحر من الشتاء (سأريكم دار الفاسقين) يريد دار فرعون وقومه وهي مصر كيف أقفرت منهم ودمروا لفسقهم لتعتبروا، فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل بكم مثل نكالهم. وقيل منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكهم الله لفسقهم في ممركم عليها في أسفاركم، وقيل دار الفاسقين نار جهنم، وقرأ الحسن سأوريكم وهي لغة فاشية بالحجاز، يقال أورني كذا وأوريته ووجهه أن تكون من أوريت الزند كأن المعنى: بينه لي وأثره لأستبينه. وقرئ سأورثكم وهي قراءة حسنة يصححها قوله - وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون - (سأصرف عن آياتي) بالطبع على قلوب المتكبرين وخذلانهم فلا يفكرون فيها ولا يعتبرون بها غفلة وانهماكا فيما يشغلهم عنها من شهواتهم. وعن الفضيل بن عياض ذكر لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا عظمت أمتي الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي " وقيل سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون أن يبطل آية موسى بأن جمع السحرة، فأبى الله إلا علو الحق وانتكاس الباطل. ويجوز سأصرفهم عنها وعن الطعن فيها والاستهانة بها وتسميتها سحرا بإهلاكهم. وفيه إنذار للمخاطبين من عاقبة الذين يصرفون عن الآيات لتكبرهم وكفرهم بها لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم (بغير الحق) فيه وجهان: أن يكون حالا بمعنى يتكبرون غير محقين لأن التكبر بالحق لله وحده، وأن يكون صلة لفعل التكبر: أي يتكبرون بما ليس بحق وما هم عليه من دينهم (وإن يروا كل آية) من الآيات المنزلة عليهم (لا يؤمنوا بها) وقرأ مالك بن دينار وإن يروا بضم الياء. وقرئ سبيل الرشد والرشد والرشاد كقولهم السقم والسقم والسقام.
وما أسفه من ركب المفازة فإن رأى طريقا مستقيما أعرض عنه وتركه، وإن رأى معتسفا مرديا أخذ فيه وسلكه، ففاعل نحو ذلك في دينه أسفه (ذلك) في محل الرفع أو النصب على معنى ذلك الصرف بسبب تكذيبهم أو صرفهم الله ذلك الصرف بسببه (ولقاء الآخرة) يجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به: أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها ومن إضافة المصدر إلى الظرف بمعنى: ولقاء ما وعد الله في الآخرة (من بعده) من بعد فراقه إياهم إلى الطور. فإن قلت: لم قيل واتخذ قوم موسى عجلا والمتخذ هو السامري؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن ينسب الفعل إليهم لأن رجلا منهم باشره ووجد فيما بين ظهرانيهم كما يقال بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا والقائل
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»