____________________
يكون طالبه وقد قال حين أخذت الرجفة الذين قالوا أرنا الله جهرة - أتهلكنا بما فعل السفهاء منا - إلى قوله - تضل بها من تشاء فتبرأ من فعلهم ودعاهم سفهاء وضلالا. قلت: ما كان طلب الرؤية إلا ليبكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلالا وتبرأ من فعلهم وليلقمهم الحجر، وذلك أنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبههم على الحق فلجوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا: لا بد ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأراد أن يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله - لن تراني - ليتيقنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة، فلذلك قال - رب أرني أنظر إليك - فإن قلت: فهلا قال أرهم ينظروا إليك؟ قلت: لأن الله سبحانه إنما كلم موسى عليه السلام وهم يسمعون، فلما سمعوا كلام رب العزة أرادوا أن يرى موسى ذاته فيبصروه معه كما أسمعه كلامه، فسمعوه معه إرادة مبنية على قياس فاسد، فلذلك قال موسى: أرني أنظر إليك، ولأنه إذا زجر عما طلب وأنكر عليه في نبوته واختصاصه وزلفته عند الله تعالى. وقيل له لن يكون ذلك كان غيره أولى بالإنكار، ولأن الرسول إمام أمته، فكان ما يخاطب به أو ما يخاطب راجعا إليهم، وقوله أنظر إليك وما فيه من معنى المقابلة التي هي محض التشبيه والتجسيم دليل على أنه ترجمة عن مقترحهم وحكاية لقولهم وجل صاحب الجمل أن يجعل الله منظورا إليه مقابلا بحاسة النظر، فكيف بمن هو أعرق في معرفة الله تعالى من واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد والنظام وأبي الهذيل والشيخين وجميع المتكلمين. فإن قلت: ما معنى لن؟ قلت: تأكيد النفي الذي تعطيه لا، وذلك أن لا تنفي المستقبل تقول: لا أفعل غدا، فإذا أكدت نفيها قلت: لن أفعل غدا. والمعنى: أن فعله ينافي حالي كقوله - لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له - فقوله - لا تدركه الأبصار - نفي للرؤية فيما يستقبل، ولن تراني تأكيد وبيان لأن النفي مناف لصفاته. فإن قلت: كيف اتصل الاستدراك في قوله (ولكن انظر إلى الجبل) بما قبله؟ قلت: اتصل به على