الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١١١
وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم. وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه
____________________
لم يعطها أحدا غيركم لتختصوه بالعبادة ولا تشركوا به غيره، ومعنى الهمزة الإنكار والتعجب من طلبتهم مع كونهم مغمورون في نعمة الله عبادة غير الله (يسومونكم سوء العذاب) يبغونكم شدة العذاب، من سام السلعة إذا طلبها. فإن قلت: ما محل يسومونكم؟ قلت: هو استئناف لا محل له، ويجوز أن يكون حالا من المخاطبين أو من آل فرعون، و (ذلكم) إشارة إلى الإنجاء أو إلى العذاب. والبلاء: النعمة أو المحنة. وقرئ يقتلون بالتخفيف.
وروى أن موسى عليه السلام وعد بني إسرائيل وهو بمصر إن أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب من عند الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فأمر بصوم ثلاثين يوما وهو شهر ذي القعدة، فلما أتم الثلاثين أنكر خلوف فيه فتسوك، فقالت الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك.
وقيل أوحى الله تعالى إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك؟ فأمره الله تعالى أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لذلك. وقيل أمره الله أن يصوم ثلاثين يوما وأن يعمل فيها بما يقربه من الله، ثم أنزلت عليه التوراة في العشر وكلم فيها، ولقد أجمل ذكر الأربعين في سورة البقرة وفصلها ههنا و (ميقات ربه) ما وقته له من الوقت وضربه له و (أربعين ليلة) نصب على الحال: أي تم بالغا هذا العدد و (هارون) عطف بيان لأخيه، وقرئ بالضم على النداء (اخلفني في قومي) كن خليفتي فيهم (وأصلح) وكن مصلحا أو وأصلح ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل. ومن دعاك منهم إلى الفساد فلا تتبعه ولا تطعه (لميقاتنا) لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا، معنى اللام الاختصاص، فكأنه قيل: واختص مجيئه بميقاتنا، كما تقول: أتيته لعشر خلون من الشهر (وكلمه ربه) من غير واسطة كما يكلم الملك، وتكليمه أن يخلق الكلام منطوقا به في بعض الأجرام كما
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»