الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٠٨
آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين. ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل. فلما كشفنا عنهم الرجز
____________________
وأشفار عيونهم وحواجبهم ولزم جلودهم كأنه الجدري، فصاحوا وصرخوا إلى موسى فرفع عنهم، فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر، وعزة فرعون لا نصدقك أبدا، فأرسل الله عليهم بعد شهر الضفادع فدخلت بيوتهم وامتلأت منها آنيتهم وأطعمتهم ولا يكشف أحد شيئا من ثوب ولا طعام ولا شراب إلا وجد فيه الضفادع، وكان الرجل إذا أراد أن يتكلم وثبت الضفدع إلى فيه، وكانت تمتلئ منها مضاجعهم فلا يقدرون على الرقاد، كانت تقذف بأنفسها في القدور وهي تغلي وفي التنانير وهي تفور، فشكوا إلى موسى وقالوا: ارحمنا هذه المرة فما بقى إلا أن نتوب التوبة النصوح ولا نعود فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم، ثم نقضوا العهد فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياههم دما، فشكوا إلى فرعون فقال: إنه سحركم، فكان يجمع بين القبطي والإسرائيلي على إناء واحد، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء وما يلي القبطي دما، ويستقيان من ماء واحد فيخرج للقبطي الدم وللإسرائيلي الماء حتى إن المرأة القبطية تقول لجارتها الإسرائيلية اجعلي الماء في فيك ثم مجيه في في فيصير الماء في فيها دما وعطش فرعون حتى أشفى على الهلاك، فكان يمص الأشجار الرطبة فإذا مضغها صار ماؤها الطيب ملحا أجاجا.
وعن سعيد بن المسيب سال عليهم النيل دما. وقيل سلط الله عليهم الرعاف. وروى أن موسى عليه السلام مكث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات. وروى أنه لما أراهم اليد والعصا ونقص النفوس والثمرات قال: يا رب إن عبدك هذا قد علا في الأرض فخذه بعقوبة تجعلها له ولقومه نقمة ولقومي عظة ولمن بعدي آية، فحينئذ بعث الله عليهم الطوفان ثم الجراد ثم ما بعده من النقم. وقرأ الحسن والقمل بفتح القاف وسكون الميم يريد القمل والمعروف (آيات مفصلات) نصب على الحال، ومعنى مفصلات: مبينات ظاهرات لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره وأنها عبرة لهم ونقمة على كفرهم، أو فصل بين بعضها وبعض بزمان تمتحن فيه أحوالهم وينظر أيستقيمون على ما وعدوا من أنفسهم أم ينكثون إلزاما للحجة عليهم؟ (بما عهد عندك) ما مصدرية والمعنى بعهده عندك وهو النبوة، والباء إما أن تتعلق بقوله - ادع لنا ربك - على وجهين:
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»