أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون. واستعينوا بالصبر والصلاة
____________________
كتبتم حتى لا يميز بين حقها وباطلكم، وإن كانت باء الاستعانة كالتي في قولك كتبت بالقلم كان المعنى: ولا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها بباطلكم الذي تكتبونه (وتكتموا) جزم داخل تحت حكم النهى بمعنى ولا تكتموا، أو منصوب بإضمار أن، والواو بمعنى الجمع: أي ولا تجمعوا لبس الحق بالباطل، وكتمان الحق كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن. فإن قلت: لبسهم وكتمانهم ليسا بفعلين متميزين حتى ينهوا عن الجمع بينهما لأنهم إذا لبسوا الحق بالباطل فقد كتموا الحق. قلت: بل هما متميزان لأن لبس الحق بالباطل ما ذكرنا من كتبهم في التوراة ما ليس منها وكتمانهم الحق أن يقولوا: لا نجد في التوراة صفة محمد صلى الله عليه وآله سلم أو حكم كذا أو يمحوا ذلك أو يكتبوه على خلاف ما هو عليه، وفى مصحف عبد الله وتكتمون بمعنى كاتمين (وأنتم تعلمون) في حال عملكم أنكم لابسون كاتمون، وهو أقبح لهم لأن الجهل بالقبيح ربما عذر راكبه (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) يعنى صلاة المسمين وزكاتهم (واركعوا مع الراكعين) منهم لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم. وقيل الركوع الخضوع والانقياد لما يلزمهم في دين الله، ويجوز أن يراد بالركوع الصلاة كما يعبر عنها بالسجود، وأن يكون أمرا بأن تصلى مع المصلين: يعنى في الجماعة كأنه قيل: وأقيموا الصلاة وصلوها مع المصلين لا منفردين (أتأمرون) الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم. والبر سعة الخير والمعروف، ومنه البر لسعته ويتناول كل خير، ومنه قولهم صدقت وبررت. وكان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولا يتبعونه. وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون، وإذا أتوا بصدقات ليفرقوها خانوا فيها، وعن محمد بن واسع: بلغني أن ناسا من أهل الجنة اطلعوا على ناس من أهل النار فقالوا لهم: قد كنتم تأمروننا بأشياء عملناها فدخلنا الجنة، قالوا كنا نأمركم بها ونخالف إلى غيرها (وتنسون أنفسكم) وتتركونها من البر كالمنسيات (وأنتم تتلون الكتاب) تبكيت مثل قوله وأنتم تعلمون، يعنى تتلون التوراة وفيها نعت محمد صلى الله عليه وسلم، أو فيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول والعمل (أفلا تعقلون) توبيخ عظيم بمعنى أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه وكأنكم في ذلك مسلوبو العقول لأن العقول تأباه وتدفعه، ونحوه: - أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون - (واستعينوا) على حوائجكم إلى الله (بالصبر والصلاة) أي بالجمع بينهما وأن تصلوا صابرين على تكاليف الصلاة محتملين لمشاقها وما يجب فيها من إخلاص القلب وحفظ النيات ودفع الوساوس ومراعاة الآداب والاحتراس من المكاره مع الخشية والخشوع واستحضار العلم بأنه انتصاب بين يدي جبار السماوات ليسأل فك الرقاب عن سخطه وعذابه، ومنه قوله تعالى - وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها - أو واستعينوا على البلايا والنوائب بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة عند وقوعها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة. وعن ابن عباس أنه نعى إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع وتنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشى إلى راحلته وهو