الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٢٦
أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل. وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به، والله أعلم بما كانوا يكتمون. وترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون. لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الاثم وأكلهم السحت،
____________________
وعبد بوزن حطم وعبيد وعبد بضمتين جمع عبيد وعبدة بوزن كفرة وعبد وأصله عبدة فحذفت التاء للإضافة أو هو كخدم في جمع خادم وعبد وعباد وأعبد، وعبد الطاغوت على البناء للمفعول وحذف الراجع بمعنى، وعبد الطاغوت فيهم أو بينهم، وعبد الطاغوت بمعنى صار الطاغوت معبودا من دون الله كقولك أمر إذا صار أميرا، وعبد الطاغوت بالجر عطفا على من لعنه الله. فإن قلت: كيف جاز أن يجعل الله منهم عباد الطاغوت؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أنه خذلهم حتى عبدوها. والثاني أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله تعالى - وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا - وقيل الطاغوت العجل لأنه معبود من دون الله، ولان عبادتهم للعجل مما زينه لهم الشيطان، فكانت عبادتهم له عبادة للشيطان وهو الطاغوت. وعن ابن عباس رضي الله عنه: أطاعوا الكهنة وكل من أطاع أحدا في معصية الله فقد عبده. وقرأ الحسن الطواغيت، وقيل وجعل منهم القردة أصحاب السبت والخنازير كفار أهل مائدة عيسى، وقيل كلا المسخين من أصحاب السبت، فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير. وروي أنها لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود ويقولون: يا إخوة القردة والخنازير فينكسون رؤوسهم (أولئك) الملعونون الممسوخون (شر مكانا) جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله، وفيه مبالغة ليست في قولك أولئك شر وأضل لدخوله في باب الكناية التي هي أخت المجاز. نزلت في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهرون له الايمان نفاقا، فأخبره الله تعالى بشأنهم وأنهم يخرجون من مجلسك كما دخلوا لم يتعلق بهم شئ مما سمعوا به من تذكيرك بآيات الله ومواعظك.
وقوله بالكفر وبه حالان: أي دخلوا كافرين وخرجوا كافرين وتقديره متلبسين بالكفر. وكذلك قوله وقد دخلوا وهم قد خرجوا، ولذلك دخلت قد تقريبا للماضي من الحال، ولمعنى آخر وهو أن أمارات النفاق كانت لائحة عليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متوقعا لاظهار الله ما كتموه، فدخل حرف التوقع وهو متعلق بقوله قالوا آمنا: أي قالوا ذلك: وهذه حالهم. الاثم: الكذب بدليل قوله تعالى - عن قولهم الاثم - (والعدوان) الظلم، وقيل الاثم كلمة الشرك، وقولهم عزير ابن الله، وقيل الاثم ما يختص بهم والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم.
(٦٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 620 621 623 624 625 626 627 628 629 630 631 ... » »»