الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٢٧
لبئس ما كانوا يصنعون. وقالت اليهود يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا
____________________
والمسارعة في الشئ: الشروع فيه بسرعة (لبئس ما كانوا يصنعون) كأنهم جعلوا آثم من مرتكبي المناكير، لان كل عامل لا يسمى صانعا ولا كل عمل يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه، وكان المعنى في ذلك أن مواقع المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها، وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه في فعل غيره، فإذا فرط في الانكار كان أشد حالا من المواقع، ولعمري إن هذه الآية مما يقذ السامع وينعى على العلماء توانيهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي أشد آية في القرآن. وعن الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها. غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود، ومنه قوله تعالى - ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط - ولا يقصد من يتكلم به إثبات يد ولا غل ولا بسط، ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازا عنه لأنهما كلامان متعقبان على حقيقة واحدة حتى إنه يستعمله في ملك لا يعطى عطاء قط ولا يمنعه إلا بإشارته من غير استعمال يد وبسطها وقبضها، ولو أعطى الأقطع إلى المنكب عطاء جزيلا لقالوا ما أبسط يده بالنوال، لان بسط اليد وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود، وقد استعلموهما حيث لا تصح اليد كقوله:
جاد الحمى بسط اليدين بوابل * شكرت نداه تلاعه ووهاده ولقد جعل لبيد للشمال يدا في قوله * إذ أصبحت بيد الشمال زمامها * ويقال بسط اليأس كفيه في صدري، فجعلت لليأس الذي هو من المعاني لا من الأعيان كفان، ومن لم ينظر في علم البيان عمى عن تبصر محجة الصواب في تأويل أمثال هذه الآية ولم يتخلص من يد الطاعن إذا عبثت به. فإن قلت: قد صح أن قولهم (يد الله مغلولة) عبارة عن البخل فما تصنع بقوله (غلت أيديهم) ومن حقه أن يطابق ما تقدمه وإلا تنافر الكلام وزل عن سننه. قلت: يجوز أن يكون معناه الدعاء عليهم بالبخل والنكد ومن ثم كانوا أبخل خلق الله وأنكدهم ونحوه بيت الأشتر:
بقيت وفرى وانحرفت عن العلا * ولقيت أضيافي بوجه عبوس
(٦٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 621 623 624 625 626 627 628 629 630 631 632 ... » »»