الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٣٧
ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون.
ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون. لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا ما أنزل
____________________
الباب. فإن قلت: كيف وقع ترك التناهي عن المنكر تفسيرا للمعصية والاعتداء؟ قلت: من قل أن الله تعالى أمر بالتناهي فكان الاخلال به معصية وهو اعتداء، لان في التناهي حسما للفساد فكان تركه على عكسه. فإن قلت: ما معنى وصف المنكر بفعلوه ولا يكون النهي بعد الفعل؟ قلت: معناه: لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه أو عن مثل منكر فعلوه أو عن منكر أرادوا فعله كما ترى أمارات الخوض في الفسق وآلاته تسوى وتهيأ فتنكر، ويجوز أن يراد لا ينتهون ولا يمتنعون عن منكر فعلوه، بل يصبرون عليه ويداومون على فعله، يقال تناهى عن الامر وانتهى عنه: إذا امتنع منه وتركه (ترى كثيرا منهم) هم منافقو أهل الكتاب كانوا يوالون المشركين ويصافونهم (أن سخط الله عليهم) هو المخصوص بالذم ومحله الرفع كأنه قيل: لبئس زادهم إلى الآخرة سخط الله عليهم، والمعنى موجب سخط الله (ولو كانوا يؤمنون) إيمانا خالصا غير نفاق ما اتخذوا المشركين (أولياء) يعني أن موالاة المشركين كفى بها دليلا على نفاقهم وأن إيمانهم ليس بإيمان (ولكن كثيرا منهم فاسقون) متمردون في كفرهم ونفاقهم، وقيل معناه: ولو كانوا يؤمنون بالله وموسى كما يدعون ما اتخذوا المشركين أولياء كما لم يوالهم المسلمون، وصف الله شدة شكيمة اليهود وصعوبة إجابتهم إلى الحق ولين عريكة النصارى وسهولة ارعوائهم وميلهم إلى الاسلام، وجعل اليهود قرناء المشركين في شدة العداوة للمؤمنين، بل نبه على تقدم قدمهم فيها بتقديمهم على الذين أشركوا، وكذلك فعل في قوله - ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا - ولعمري إنهم لكذلك وأشد، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ما خلا يهوديان بمسلم إلا هما بقتله) وعلل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين (بأن منهم قسيسين ورهبانا) أي علماء وعبادا (وأنهم) قوم فيهم تواضع
(٦٣٧)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 632 633 634 635 636 637 638 639 640 641 642 ... » »»