الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٢٨
بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء
____________________
ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغل الأيدي حقيقة يغللون في الدنيا أسارى، وفي الآخرة معذبين بإغلال جهنم والطباق من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز كما تقول سبني سب الله دابره: أي قطعه لان السب أصله القطع.
فإن قلت: كيف جاز أن يدعو الله عليهم بما هو قبيح وهو البخل والنكد؟ قلت: المراد به الدعاء بالخذلان الذي تقسو به قلوبهم فيزيدون بخلا إلى بخلهم ونكدا إلى نكدهم، أو بما هو مسبب عن البخل والنكد من لصوق العار بهم، وسواء الأحدوثة التي تخزيهم وتمزق أعراضهم. فإن قلت: لم ثنيت اليد في قوله تعالى - بل يداه مبسوطتان - وهي مفردة في يد الله مغلولة؟ قلت: ليكون رد قولهم وإنكاره أبلغ وأدل على إثبات غاية السخاء له ونفي البخل عنه وذلك أن غاية ما يبذله السخي بماله من نفسه أن يعطيه بيديه جميعا فبنى المجاز على ذلك. وقرئ ولعنوا بسكون العين، وفي مصحف عبد الله بل يداه بسطان، يقال يده بسط بالمعروف ونحوه مشية سحج وناقة صرح (ينفق كيف يشاء) تأكيد للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق إلا على مقتضى الحكمة والمصلحة. روي أن الله تبارك وتعالى كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا، فلما عصوا الله في محمد صلى الله عليه وسلم وكذبوه كف الله تعالى ما بسط عليهم من السعة، فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء - يد الله مغلولة - ورضي بقوله
(٦٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 623 624 625 626 627 628 629 630 631 632 633 ... » »»