الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٣٤
وحسبوا إلا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون. لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار. لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد، وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم. أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه؟ والله غفور رحيم. ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل
____________________
في الدنيا والآخرة (فعموا) عن الدين (وصموا) حين عبدوا العجل (ثم) تابوا عن عبادة العجل ‍ (تاب الله عليهم ثم عموا وصموا) كرة ثانية بطلبهم المحال غير المعقول في صفات الله وهو الرؤية. وقرئ عموا وصموا بالضم على تقدير عماهم الله وصمهم: أي رماهم وضربهم بالعمى والصمم كما يقال نزكته: إذا ضربته بالنيزك) وركبته: إذا ضربته بركبتك (كثير منهم) بدل من الضمير أو على قولهم أكلوني البراغيث، أو هو خبر مبتدأ محذوف: أي أولئك كثير منهم. لم يفرق عيسى عليه الصلاة والسلام بينه وبينهم في أنه عبد مربوب كمثلهم وهو احتجاج على النصارى (إنه من يشرك بالله) في عبادته أو فيما هو مختص به من صفاته أو أفعاله (فقد حرم الله عليه الجنة) التي هي دار الموحدين: أي حرمه دخولها ومنعه منه كما يمنع المحرم من المحرم عليه (وما للظالمين من أنصار) من كلام الله على أنهم ظلموا وعدلوا عن سبيل الحق فيما تقولوا على عيسى عليه السلام، فلذلك لم يساعدهم عليه ولم ينصر قولهم ورده وأنكره وإن كانوا معظمين له بذلك ورافعين من مقداره، أو من قول عيسى عليه السلام على معنى: ولا ينصركم أحد فيما تقولون ولا يساعدكم عليه لاستحالته وبعده عن المعقول، أو ولا ينصركم ناصر في الآخرة من عذاب الله. (من) في قوله (وما من إله إلا إله واحد) للاستغراق وهي المقدرة مع لا التي لنفي الجنس في قولك لا إله إلا الله. والمعنى: ما إله قط في الوجود إلا إله موصوف بالوحدانية لا ثاني له وهو الله وحده لا شريك له، و (من) في قوله (ليمسن الذين كفروا منهم) للبيان كالتي في قوله تعالى - فاجتنبوا الرجس من الأوثان) فإن قلت: فهلا قيل ليمسهم عذاب أليم. قلت: في إقامة الظاهر مقام المضمر فائدة وهي تكريره الشهادة عليهم بالكفر في قوله لقد كفر الذين قالوا، وفي البيان فائدة أخرى وهي الاعلام في تفسير الذين كفروا منهم أنهم بمكان من الكفر، والمعنى: ليمسن الذين كفروا من النصارى خاصة (عذاب أليم) أي نوع شديد الألم من العذاب كما تقول أعطني عشرين من الثياب تريد من الثياب خاصة لا من غيرها من الأجناس التي يجوز أن يتناولها عشرون. ويجوز أن تكون للتبعيض على معنى ليمسن الذين بقوا على الكفر منهم، لان كثيرا منهم تابوا من النصرانية (أفلا يتوبون) ألا يتوبون بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر وهذا الوعيد الشديد مما هم عليه، وفيه تعجيب من إصرارهم (والله غفور رحيم) يغفر لهؤلاء إن تابوا ولغيرهم (قد خلت من قبله الرسل) صفة لرسول: أي ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا من قبله جاء بآيات من الله كما أتوا بأمثالها أن أبرأ الله
(٦٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 629 630 631 632 633 634 635 636 637 638 639 ... » »»