الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٨٩
يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا. فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما.
يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك
____________________
لوجهين: أحدهما أن يحذف ذكر أحد الفريقين لدلالة التفصيل عليه، ولان ذكر أحدهما يدل على ذكر الثاني كاحذف أحدهما في التفصيل في قوله عقيب هذا (فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به). والثاني وهو أن الاحسان إلى غيرهم مما يغمهم، فكان داخلا في جملة التنكيل بهم، فكأنه قيل: ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحسرة إذا رأى أجور العاملين وبما يصيبه من عذاب الله. البرهان والنور المبين: القرآن، أو أراد بالبرهان دين الحق أو رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالنور المبين ما يبينه ويصدقه من الكتاب المعجز (في رحمة منه وفضل) في ثواب مستحق وتفضل (ويهديهم إليه) إلى عبادته (صراطا مستقيما) وهو طريق الاسلام، والمعنى توفيقهم وتثبيتهم. روى (أنه آخر ما نزل من الاحكام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة عام حجة الوداع فأتاه جابر بن عبد الله فقال: إن لي أختا فكم آخذ من ميراثها أو ماتت؟ وقيل كان مريضا، فقاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني كلالة فكيف أصنع في مالي؟ فنزلت) (إن امرؤ هلك) ارتفع امرؤ بمضمر يفسره الظاهر، ومحل (ليس له ولد) الرفع على الصفة لا النصب على الحال: أي إن هلك امرؤ غير ذي ولد، والمراد بالولد الابن وهو اسم مشترك يجوز إيقاعه على الذكر وعلى الأنثى، لان الابن يسقط الأخت ولا تسقطها البنت إلا في مذهب ابن عباس، وبالأخت التي هي لأب وأم دون التي لام، لان الله تعالى فرض لها النصف وجعل أخاها عصبة وقال - للذكر مثل حظ الأنثيين - وأما الأخت للأم فلها السدس في آية المواريث مسوى بينها وبين أخيها (وهو يرثها) وأخوها يرثها إن قدر الامر على العكس من موتها وبقائه بعدها (إن لم يكن لها ولد) أي ابن لان الابن يسقط الأخ دون البنت. فإن قلت: الابن لا يسقط الأخ وحده فإن الأب نظيره في الاسقاط فلم اقتصر على نفي الولد؟ قلت: بين حكم انتفاء الولد ووكل حكم انتفاء الوالد إلى بيان السنة وهو قوله عليه الصلاة والسلام (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فلا ولي عصبة ذكر) والأب أولى من الأخ وليسا بأول حكمين بين أحدهما بالكتاب والآخر بالسنة، ويجوز أن يدل بحكم انتفاء الولد على حكم انتفاء الوالد لان الولد أقرب إلى الميت من الوالد، فإذا ورث الأخ عند انتفاء الأقرب فأولى أن يرث عند انتفاء الابعد، ولان الكلالة تتناول انتفاء الوالد والولد جميعا، فكان ذكر انتفاء أحدهما دالا على انتفاء الآخر. فإن قلت: إلى من يرجع ضمير التثنية والجمع في قوله (فإن كانتا اثنتين) وإن كانوا إخوة؟ قلت: أصله فإن كان من يرث بالاخوة اثنتين وإن كان من
(٥٨٩)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 582 583 584 585 588 589 590 591 592 593 594 ... » »»