الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٨٤
وكفى بالله شهيدا. إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا.
إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا. إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا، وكان ذلك على الله يسيرا. يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم، وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض، وكان الله عليما حكيما. يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما
____________________
بإظهار المعجزات أنه شاهد بصحته علم أن الملائكة يشهدون بصحة ما شهد بصحته لان شهادتهم تبع لشهادته. فإن قلت: ما معنى قوله (أنزله بعلمه) وما موقعه من الجملة التي قبله؟ قلت: معناه أنزله متلبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره، وهو تأليفه على نظم وأسلوب يعجز عنه كل بليغ وصاحب بيان، وموقعه مما قبله موقع الجملة المفسرة لأنه بيان للشهادة، وأن شهادته بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز الفائت للقدرة. وقيل أنزله وهو عالم بأنك أهل لانزاله إليك وأنك مبلغه. وقيل أنزله بما علم من مصالح العباد مشتملا عليه، ويحتمل أنه أنزله وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة والملائكة يشهدون بذلك كما قال في آخر سورة الجن. ألا ترى إلى قوله تعالى - وأحاط بما لديهم - والإحاطة بمعنى العلم (وكفى بالله شهيدا) وإن لم يشهد غيره لان التصديق بالمعجزة هو الشهادة حقا - قل أي شئ أكبر شهادة قل الله - (كفروا أو ظلموا) جمعوا بين الكفر والمعاصي أو كان بعضهم كافرين وبعضهم ظالمين أصحاب كبائر، لأنه لا فرق بين الفريقين في أنه لا يغفر لهما إلا بالتوبة (ولا ليهديهم طريقا) لا يلطف بهم فيسلكون الطريق الموصل إلى جهنم أو لا يهديهم يوم القيامة طريقا إلا طريقها (يسيرا) أي لا صارف له عنه (فآمنوا خيرا لكم) وكذلك انتهوا خيرا لكم انتصابه بمضمر وذلك أنه لما بعثهم على الايمان وعلى الانتهاء من التثليث علم أنه يحملهم على أمر فقال خيرا لكم: أي اقصدوا أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث وهو الايمان والتوحيد (لا تغلوا في دينكم) غلت اليهود في حط المسيح عن منزلته حيث جعلته مولودا لغير رشدة، وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه إلها (ولا تقولوا على الله إلا الحق) وهو تنزيهه عن الشريك والولد. قرأ جعفر بن محمد إنما المسيح بوزن السكيت. وقيل لعيسى كلمة الله وكلمة منه لأنه وجد بكلمته وأمره لا غير من غير واسطة أب ولا نطفة. وقيل له روح الله وروح منه لذلك، لأنه ذو روح وجد من غير جزء
(٥٨٤)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 579 580 581 582 583 584 585 588 589 590 591 ... » »»