إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا. أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا. والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف نؤتيهم أجورهم، وكان الله غفورا رحيما.
____________________
انتصر بعد ظلمة) وقيل ضاف رجل قوما فلم يطعموه فأصبح شاكيا. فعوتب على الشكاية فنزلت. وقرئ إلا من ظلم على البناء للفاعل للانقطاع: أي ولكن الظالم راكب مالا يحبه الله فيجهر بالسوء، ويجوز أن يكون من ظلم مرفوعا كأنه قيل: لا يحب الله الجهر بالسوء إلا الظالم، على لغة من يقول: ما جاءني زيد إلا عمرو، بمعنى ما جاءني إلا عمرو، ومنه (لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله). ثم حث على العفو وأن لا يجهر أحد لاحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار بعد ما أطلق الجهر به وجعله محبوبا حثا على الأحب إليه والأفضل عنده والا دخل في الكرم والتخشع والعبودية وذكر إبداء الخير وإخفاءه تشبيبا للعفو، ثم عطفه عليهما اعتدادا به وتنبيها على منزلته. وأن له مكانا في باب الخير وسيطا، والدليل على أن العفو هو الغرض المقصود بذكر إبداء الخير وإخفائه قوله (فإن الله كان عفوا قديرا) أي يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام فعليكم؟ أي تقتدوا بسنة الله. جعل الذين آمنوا بالله وكفروا برسله أو آمنوا بالله وببعض رسله وكفروا ببعض كافرين بالله ورسله جميعا لما ذكرنا من العلة. ومعنى اتخاذهم بين ذلك سبيلا أن يتخذوا دينا وسطا بين الايمان والكفر كقوله - ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا - أي طريقا وسطا في القراءة وهو ما بين الجهر والمخافتة وقد أخطئوا، فإنه لا واسطة بين الكفر والايمان، ولذلك قال (أولئك هم الكافرون حقا) أي هم الكاملون في الكفر، وحقا تأكيد لمضمون الجملة كقولك هو عبد الله حقا: أي حق ذلك حقا وهو كونهم كاملين في الكفر أو هو صفة لمصدر الكافرين: أي هم الذين كفروا كفرا حقا ثابتا يقينا لا شك فيه. فإن قلت: كيف جاز دخول بين على أحد وهو يقتضي شيئين فصاعدا؟ قلت: إن أحدا عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما تقول ما رأيت أحدا فتقصد العموم. ألا تراك تقول إلا بني فلان وإلا بنات فلان، فالمعنى: ولم يفرقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة، ومنه قوله تعالى - لستن كأحد من النساء - (سوف يؤتيهم أجورهم) معناه أن إيتاءها كائن لا محالة وإن تأخر فالغرض به توكيد الوعد وتثبيته لا كونه متأخرا. روي أن كعب من الأشرف وفنحاص بن عازوراء وغيرهما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (إن كنت نبيا صادقا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى فنزلت) وقيل كتابا إلى فلان وكتابا إلى فلان بأنك رسول الله، وقيل كتابا نعاينه حين ينزل، وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت.