الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٧٠
إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين، وكان الله على ذلك قديرا. من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة، وكان الله سميعا بصيرا. يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا. يا أيها الذين آمنوا
____________________
في الأرض تقرير لما هو موجب تقواه ليتقوه فيطيعوه ولا يعصون، لان الخشية والتقوى أصل الخير كله (إن يشأ يذهبكم) يفنكم ويعدمكم كما أوجدكم وأنشأكم (ويأت بآخرين) ويوجد إنسا آخرين مكانكم أو خلقا آخرين غير الانس (وكان الله على ذلك) من الاعدام والايجاد (قديرا) بليغ القدرة لا يمتنع عليه شئ أراده، وهذا غضب عليهم وتخويف وبيان لاقتداره. وقيل هو خطاب لمن كان يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب: أي إن يشأ يمتكم ويأت بأناس آخرين يوالونه. ويروى أنها لما نزلت ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على ظهر سلمان وقال: إنهم قوم هذا يريد أبناء فارس (من كان يريد ثواب الدنيا) كالمجاهد يريد بجهاده الغنيمة (فعند الله ثواب الدنيا والآخرة) فما له يطلب أحدهما دون الآخر والذي يطلبه أخسهما، لان من جاهد لله خالصا لم تخطئه الغنيمة وله من ثواب الآخرة ما الغنيمة إلى جنبه كلا شئ والمعنى: فعند الله ثواب الدنيا والآخرة له أن أراده حتى يتعلق الجزاء بالشرط (قوامين بالقسط) مجتهدين في إقامة العدل حتى لا تجوروا (شهداء لله) تقيمون شهاداتكم لوجه الله كما أمرتم بإقامتها (ولو على أنفسكم) ولو كانت الشهادة على أنفسكم أو آبائكم أو أقاربكم. فإن قلت: الشهادة على الوالدين والأقربين أن تقول: أشهد أن لفلان على والدي كذا، أو على أقاربي، فما معنى الشهادة على نفسه؟ قلت: هي الاقرار على نفسه لأنه في معنى الشهادة عليها بإلزام الحق لها.
ويجوز أن يكون المعنى: وإن كانت الشهادة وبالا على أنفسكم أو على آبائكم وأقاربكم، وذلك أن يشهد على من يتوقع ضرره من سلطان ظالم أو غيره (إن يكن) إن يكن المشهود عليه (غنيا) فلا تمنع الشهادة عليه لغناه طلبا لرضاه (أو فقيرا) فلا تمنعها ترحما عليه (فالله أولى بهما) بالغني والفقير: أي بالنظر لهما وإرادة مصلحتهما، ولولا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها لأنه أنظر لعباده من كل ناظر. فإن قلت: لم ثنى الضمير في أولى بهما وكان حقه أن يوحد لان قوله إن يكن غنيا أو فقيرا لا إلى المذكور فلذلك ثنى ولم يفرد وهو جنس الغني وجنس الفقير كأنه قيل: فالله أولى بجنسي الغني والفقير: أي بالأغنياء والفقراء. وفي قراءة أبي (فالله أولى بهم) وهي شاهدة على ذلك.
وقرأ عبد الله (إن يكن غني أو فقير) على كان التامة (أن تعدلوا) يحتمل العدل والعدول كأنه قيل فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس أو إرادة أن تعدلوا عن الحق (وإن تلووا أو تعرضوا) وإن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل أو تعرضوا عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها. وقرئ (وإن تلوا أو تعرضوا) بمعنى وإن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها (فإن الله كان بما تعملون خبيرا) وبمجازاتكم عليه (يا أيها الذين آمنوا)
(٥٧٠)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 565 566 567 568 569 570 571 572 573 574 575 ... » »»