الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٨١
فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا.
وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل، وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما. لكن الراسخون في العلم منهم
____________________
ذلك، فقلت: إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا: يا عدو الله أتاك عيسى نبيا فكذبت به، فيقول: آمنت أنه عبد نبي، وتقول للنصراني: أتاك عيسى نبيا فزعمت أنه الله أو ابن الله، فيؤمن أنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه، قال: وكان متكئا فاستوى جالسا فنظر إلي وقال: ممن؟ قلت:
حدثني محمد بن علي ابن الحنفية فأخذ ينكت الأرض بقضيبه ثم قال: لقد أخذتها من عين صافية أو من معدنها.
قال الكلبي: فقلت له ما أردت إلى أن تقول: حدثني محمد بن علي ابن الحنفية؟ قال: أردت أن أغيظه، يعني بزيادة اسم علي لأنه مشهور بابن الحنفية. وعن ابن عباس أنه فسره كذلك، فقال له عكرمة: فإن أتاه رجل فضرب عنقه؟ قال: لا تخرج نفسه حتى يحرك بها شفتيه، قال: وإن خر من فوق بيت أو احترق أو أكله سبع؟
قال: يتكلم بها في الهواء ولا تخرج روحه حتى يؤمن به. وتدل عليه قراءة أبي إلا ليؤمنن به قبل موتهم بضم النون على معنى: وإن منهم أحد إلا سيؤمنون به قبل موتهم لان أحدا يصلح للجمع. فإن قلت: ما فائدة الاخبار بإيمانهم بعيسى قبل موتهم؟ قلت: فائدته الوعيد وليكون علمهم بأنهم لا بد لهم من الايمان به عن قريب عند المعاينة، وأن ذلك لا ينفعهم بعثا لهم وتنبيها على معاجلة الايمان به في أوان الانتفاع به، وليكون إلزاما للحجة لهم، وكذلك قوله (ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) يشهد على اليهود بأنهم كذبوه وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله. وقيل الضمير ان لعيسى بمعنى: وإن منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله. روي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمن به حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الاسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، وتقع الامنة حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمور مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات، ويلبث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه. ويجوز أن يراد أن لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلا ليؤمنن به على أن الله يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله وما أنزل له ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم. وقيل الضمير في به يرجع إلى الله تعالى، وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم (فبظلم من الذين هادوا) فبأي ظلم منهم. والمعنى:
ما حرمنا عليهم الطيبات إلا لظلم عظيم ارتكبوه وهو ما عدد لهم من الكفر والكبائر العظيمة. والطيبات التي حرمت عليهم ما ذكره في قوله - وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر - وحرمت عليهم الألبان وكلما أذنبوا ذنبا صغيرا أو كبيرا حرم عليهم بعض الطيبات من المطاعم وغيرها (وبصدهم عن سبيل الله كثيرا) ناسا كثيرا أو صدا كثيرا (بالباطل) بالرشوة التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب (لكن الراسخون) يريد من آمن
(٥٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 576 577 578 579 580 581 582 583 584 585 588 ... » »»