الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٧٣
الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين، فالله يحكم بينكم يوم القيامة، ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى
____________________
الخائضين من المشركين منافقين؟ قلت: لانهم كانوا لا ينكرون لعجزهم وهؤلاء لم ينكروا مع قدرتهم فكان ترك الانكار لرضاهم (الذين يتربصون) إما بدل من الذين يتخذون وإما صفة للمنافقين أو نصب على الذم منهم يتربصون بكم: أي ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو إخفاق (ألم نكن معكم) مظاهرين فأسهموا لنا في الغنيمة (ألم نستحوذ عليكم) ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم (ونمنعكم من المؤمنين) بأن ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبكم ومرضوا في قتالكم وتوانينا في مظاهرتهم عليكم فهاتوا نصيبا لنا مما أصبتم. وقرئ ونمنعكم بالنصب بإضمار أن، قال الحطيئة:
ألم أك جاركم ويكون بيني وبينكم المودة والاخاء فإن قلت: لم سمى ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا؟ قلت: تعظيما لشأن المسلمين وتخسيسا لحظ الكافرين، لان ظفر المسلمين أمر عظيم تفتح لهم أبواب السماء حتى ينزل على أوليائه، وأما ظفر الكافرين فما هو إلا حظ دني ولمظة من الدنيا يصيبونها (يخادعون الله) يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الايمان وإبطال الكفر (وهو خادعهم) وهو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع حيث تركهم معصومي الدماء والأموال في الدنيا وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة ولم يخلهم في العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب دائم. والخادع اسم فاعل من خادعته إذا غلبته وكنت أخدع منه. وقيل يعطون على الصراط نورا كما يعطى المؤمنون فيمضون بنورهم ثم يطفأ نورهم ويبقى نور المؤمنين فينادون انظرونا نقتبس من نوركم (كسالى) قرئ بضم الكاف وفتحها جمع كسلان كسكارى في سكران: أي يقومون متثاقلين متقاعسين كما نرى من يفعل شيئا على
(٥٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 568 569 570 571 572 573 574 575 576 577 578 ... » »»