الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٦٨
وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا، والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح، وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا. ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم
____________________
(خافت من بعلها) توقعت منه ذلك لما لاح لها من مخايله وأماراته. والنشوز: أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته والمودة والرحمة التي بين الرجا والمرأة وأن يؤذيها بسب أو ضرب. والاعراض: أن يعرض عنها بأن يقل محادثتها ومؤانستها وذلك لبعض الأسباب من طعن في سن أو دمامة أو شئ في خلق أو خلق أو ملال أو طموح عين إلى أخرى أو غير ذلك. فلا بأس بهما في أن يصلحا بينهما. وقرئ يصالحا ويصلحا بمعنى يتصالحا ويصطلحا ونحو أصلح اصبر في اصطبر (صلحا) في معنى مصدر كل واحد من الافعال الثلاثة، ومعنى الصلح: أن يتصالحا على أن تطيب له نفسا عن القسمة أو عن بعضها كما فعلت سودة بنت زمعة حين كرهت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت مكان عائشة من قبله فوهبت لها يومها. كما روي أن امرأة أراد زوجها أن يطلقها لرغبته عنها وكان لها منه ولد فقالت: لا تطلقني ودعني أقوم على ولدي وتقسم لي في كل شهرين، فقال: إن كان هذا يصلح فهو أحب إلي فأقرها، أو تهب له بعض المهر أو كله أو النفقة فإن لم تفعل فليس له إلا أن يمسكها بإحسان أو يسرحها (والصلح خير) من الفرقة أو من النشوز والاعراض وسوء العشرة أو هو خير من الخصومة في كل شئ أو الصلح خير من الخيور، كما أن الخصومة شر من الشرور، وهذه الجملة اعتراض، وكذلك قوله (وأحضرت الأنفس الشح) ومعنى إحضار الأنفس الشح أن الشح جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا ولا تنفك عنه. يعني أنها مطبوعة عليه، والغرض أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها، والرجل لا تكاد نفسه تسمح أن يقسم لها وأن يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها (وإن تحسنوا) بالإقامة على نسائكم، وإن كرهتموهن وأحببتم غيرهن وتصبروا على ذلك مراعاة الحق الصحبة (وتتقوا) النشوز والاعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة (فإن الله كان بما تعملون) من الاحسان والتقوى (خبيرا) وهو يثيبكم عليه، وكان عمران بن حطان الخارجي من أدم بني آدم وامرأته من أجملهم، فأجالت في وجهه نظرها يوما ثم تابعت الحمد لله، فقال مالك؟ قالت حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة، قال كيف؟ قالت لأنك رزقت مثلي فشكرت ورزقت مثلك فصبرت، وقد وعد الله الجنة عباده الشاكرين والصابرين (ولن تستطيعوا) ومحال أن تستطيعوا العدل (بين النساء) والتسوية حتى لا يقع ميل البتة ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن فرفع لذلك عنكم تمام العدل وغايته، وما كلفتم منه إلا ما تستطيعون بشرط أن تبذلوا فيه وسعكم وطاقتكم، لان تكليف ما لا يستطاع داخل في حد الظلم وما ربك بظلام للعبيد.
وقيل معناه: أن تعدلوا في المحبة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: (هذا قسمي فما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك: يعني المحبة) لان عائشة رضي الله عنها كانت أحب إليه. وقيل إن العدل بينهن أمر صعب بالغ من الصعوبة حدا يوهم أنه غير مستطاع، لأنه يجب أن يسوي بينهن في القسمة والنفقة والتعهد والنظر والاقبال والممالحة والمفاكهة والمؤانسة وغيرها مما لا يكاد الحصر يأتي من ورائه،
(٥٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 573 ... » »»