الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٦٩
فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما. وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما. ولله ما في السماوات وما في الأرض، ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا. ولله ما في السماوات وما في الأرض، وكفى بالله وكيلا.
____________________
فهو كالخارج من حد الاستطاعة، هذا إذا كن محبوبات كلهن فكيف إذا مال القلب مع بعضهن (فلا تميلوا كل الميل) فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها من غير رضا منها. يعني أن اجتناب كل الميل مما هو في حد اليسر والسعة فلا تفرطوا فيه إن وقع منكم التفريط في العدل كله وفيه ضرب من التوبيخ (فتذروها كالمعلقة) وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة، قال:
هل هي إلا حطة أو تطليق أو صلف أو بين ذاك تعليق وفي قراءة أبي فتذروها كالمسجونة وفي الحديث (من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل) وروي (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال، فقالت عائشة رضي الله عنها: أإلى كل أزواج رسول الله بعث عمر مثل هذا؟ قالوا لا بعث إلى القرشيات بمثل هذا والى غيرهن بغيره، فقالت: ارفع رأسك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه، فرجع الرسول فأخبره فأتم لهن جميعا) وكان لمعاذ امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى، فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد (وأن تصلحوا) ما مضى من ميلكم وتتداركوه بالتوبة (وتتقوا) فيما يستقبل غفر الله لكم. وقرئ (وإن يتفارقا) بمعنى وإن يفارق كل واحد منهما صاحبه (يغن الله كلا) يرزقه زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه، والسعة: الغنى والمقدرة، والواسع: الغني المقتدر (من قبلكم) متعلق بوصينا أو بأوتوا (وأياكم) عطف على الذين أوتوا. الكتاب اسم للجنس يتناول الكتب السماوية (أن اتقوا) بأن اتقوا أو تكون أن المفسرة لان التوصية في معنى القول وقوله (وإن تكفروا فإن لله) عطف على اتقوا لان المعنى:
أمرناهم وأمرناكم بالتقوى وقلنا لهم ولكم إن تكفروا فإن لله، والمعنى: إن لله الخلق كله وهو خالقهم ومالكهم والمنعم عليهم بأصناف النعم كلها فحقه أن يكون مطاعا في خلقه غير معصي يتقون عقابه ويرجون ثوابه، ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من الأمم السالفة ووصيناكم أن اتقوا الله: يعني أنها وصية قديمة ما زال يوصي الله بها عباده لستم بها مخصوصين، لانهم بالتقوى يسعدون عنده وبها ينالون النجاة في العاقبة وقلنا لهم ولكم: وإن تكفروا فإن لله في سماواته وأرضه من الملائكة والثقلين من يوحده ويعبده ويتقيه (وكان الله) مع ذلك (غنيا) عن خلقه وعن عبادتهم جميعا مستحقا لان يحمد لكثرة نعمه وإن لم يحمده أحد منهم، وتكرير قوله لله ما في السماوات وما
(٥٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 564 565 566 567 568 569 570 571 572 573 574 ... » »»