الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٧٢
بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا. وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا.
____________________
التي تعطيها اللام، والمراد بنفيهما نفي ما يقتضيهما وهو الايمان الخالص الثابت، والمعنى: إن الذين تكرر منهم الارتداد وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله، لان قلوب أولئك الذين هذا ديدنهم قلوب قد ضربت بالكفر ومرنت على الردة، وكان الايمان أهون شئ عندهم وأدونه حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى، وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الايمان بعد تكرار الردة ونصحت توبتهم لم يقبل منهم ولم يغفر لهم، لان ذلك مقبول حيث هو بذل للطاقة واستفراغ للوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب، وأنه أمر لا يكاد يكون، وهكذا ترى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع لا يكاد يرجى منه الثبات، والغالب أنه يموت على شر حال وأسمج صورة. وقيل هم اليهود آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا بالإنجيل وبعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم (بشر المنافقين) وضع بشر مكان أخبر تهكما بهم، و (الذين) نصب على الذم أو رفع بمعنى أريد الذين أو هم الذين وكانوا يمايلون الكفرة ويوالونهم ويقول بعضهم لبعض: لا يتم أمر محمد فتولوا اليهود (فإن العزة لله جميعا) يريد لأوليائه الذين كتب لهم العز والغلبة على اليهود وغيرهم وقال - ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين - (أن إذا سمعتم) هي أن المخففة من الثقيلة، والمعنى: أنه إذا سمعتم: أي نزل عليكم أن الشأن كذا والشأن ما أفادته الجملة بشرطها وجزائها، وأن مع ما في حيزها في موضع الرفع بنزل أوفى موضع النصب ننزل فيمن قرأ به، والمنزل عليهم في الكتاب هو ما نزل عليهم بمكة من قوله - وإذا رأيت الذين يخوضون في ذكر القرآن في مجالسهم فيستهزئون به فنهى المسلمون عن القعود معهم ما داموا خائضين فيه، وكان أحبار اليهود بالمدينة يفعلون نحو فعل المشركين فنهوا أن يقعدوا معهم كما نهوا عن مجالسة المشركين بمكة، وكان الذين يقاعدون الخائضين في القرآن من الأحبار هم المنافقون، فقيل لهم إنكم إذا مثل الأحبار في الكفر (إن الله جامع المنافقين والكافرين) يعني القاعدين والمقعود معهم. فإن قلت: الضمير في قوله فلا تقعدوا معهم إلى من يرجع؟ قلت: إلى من دل عليه يكفر بها ويستهزأ بها كأنه قيل: فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها. فإن قلت: لم يكونون مثلهم بالمجالسة إليهم في وقت الخوض؟ قلت: لانهم إذا لم ينكروا عليهم كانوا راضين والراضي بالكفر كافر. فإن قلت: فهلا كان المسلمون بمكة حين كانوا يجالسون
(٥٧٢)
مفاتيح البحث: النفاق (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 567 568 569 570 571 572 573 574 575 576 577 ... » »»