الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٧٥
سلطانا مبينا. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا. إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما. ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما. لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم، وكان الله
____________________
لا تتشبهوا بالمنافقين في اتخاذهم اليهود وغيرهم من أعداء الاسلام أولياء (سلطانا) حجة بينة: يعني أن موالاة الكافرين بينة عن النفاق. وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لابن أخ له خالص المؤمن وخالق الكافر والفاجر، فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن وإنه يحق عليك أن تخالص المؤمن (الدرك الأسفل) الطبق الذي في قعر جهنم والنار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض. وقرئ بسكون الراء والوجه التحريك لقولهم أدراك جهنم. فإن قلت: لم كان المنافق أشد عذابا من الكافر؟ قلت: لأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالاسلام وأهله ومداجاتهم (وأصلحوا) ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم في حال النفاق (واعتصموا بالله) ووثقوا به كما يثق المؤمنون الخلص (وأخلصوا دينهم لله) لا يبتغون بطاعتهم إلا وجهه (فأولئك مع المؤمنين) فهم أصحاب المؤمنين ورفقاؤهم في الدارين (وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما) فيشاركونهم فيه ويساهمونهم. فإن قلت: من المنافق؟ قلت: هو في الشريعة من أظهر الايمان وأبطن الكفر، وأما تسمية من ارتكب ما يفسق به المنافق فللتغليظ كقوله (من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر) ومنه قوله عليه الصلاة والسلام (ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) وقيل لحذيفة رضي الله عنه من المنافق؟ فقال الذي يصف الاسلام ولا يعمل به. وقيل لابن عمر: ندخل على السلطان ونتكلم بكلام فإذا خرجنا تكلمنا بخلافه؟ فقال: كنا نعده من النفاق. وعن الحسن أتى على النفاق زمان وهو مقروع فيه، فأصبح وقد عمم وقلد وأعطى سيفا: يعني الحجاج (ما يفعل الله بعذابكم) أيتشفى به من الغيظ أم يدرك به الثأر أم يستجلب به نفعا أم يستدفع به ضررا كما يفعل الملوك بعذابهم، وهو الغنى الذي لا يجوز عليه شئ من ذلك؟ وإنما هو أمر أوجبته الحكمة أن يعاقب المسئ، فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب (وكان الله شاكرا) مثيبا موفيا أجوركم (عليما) بحق شكركم وإيمانكم.
فإن قلت: لم قدم الشكر على الايمان؟ قلت: لان العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا مفصلا، فكان الشكر متقدما على الايمان وكأنه أصل التكليف ومداره (إلا من ظلم) إلا جهر من ظلم، استثنى من الجهر الذي لا يحبه الله جهر المظلوم وهو أن يدعو على الظالم ويذكره بما فيه من السوء. وقيل هو أن يبدأ بالشتيمة فيرد على الشاتم (ولمن
(٥٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 570 571 572 573 574 575 576 577 578 579 580 ... » »»