الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٦٦
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا، واتخذ الله إبراهيم خليلا.
____________________
الصالحات لان كلا لا يتمكن من عمل كل الصالحات لاختلاف الأحوال وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه، وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة، وتسقط عنه الصلاة في بعض الأحوال. والثانية لتبيين الابهام في (من يعمل). فإن قلت: كيف خص الصالحون بأنهم لا يظلمون وغيرهم مثلهم في ذلك؟ قلت: فيه وجهان:
أحدهما أن يكون الراجع في ولا يظلمون لعمال السوء وعمال الصالحات جميعا. والثاني أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دالا على ذكره عند الآخر، لان كلا الفريقين مجزيون بأعمالهم لا تفاوت بينهم، ولان ظلم المسئ أن يزاد في عقابه، وأرحم الراحمين معلوم أنه لا يزيد في عقاب المجرم فكأن ذكره مستغنى عنه، وأما المحسن فله ثواب وتوابع للثواب من فضل الله في حكم الثواب، فجاز أن ينقص من الفضل لأنه ليس بواجب، فكان نفي الظلم دلالة على أنه لا يقع نقصان في الفضل (أسلم وجهه لله) أخلص نفسه لله وجعلها سالمة لا تعرف لها ربا ولا معبودا سواه (وهو محسن) وهو عامل للحسنات تارك للسيئات (حنيفا) حال من المتبع أو من إبراهيم كقوله - بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين - وهو الذي تحنف أي مال عن الأديان كلها إلى دين الاسلام (واتخذ الله إبراهيم خليلا) مجازا عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، والخليل المخال وهو الذي يخالك: أي يوافقك في خلالك ويسايرك في طريقك من الخل وهو الطريق في الرمل، أو يسد خللك كما تسة خلله، أو يداخلك خلال منازلك وحجبك. فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: هي جملة اعتراضية لا محل لها من الاعراب كنحو ما يجئ في الشعر من قولهم: والحوادث جمة، فائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته، لان من بلغ من الزلفى عند الله أن اتخذه خليلا كان جديرا بأن تتبع ملته وطريقته، ولو جعلتها معطوفة على الجملة قبلها لم يكن لها معنى. وقيل إن إبراهيم عليه السلام بعث إلى خليل له بمصر في أزمة أصابت الناس يمتار منه، فقال خليله:
(٥٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 561 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 ... » »»