الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٦٣
أو إثما يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا. ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما. لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما. ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين
____________________
صغيرة (أو إثما) أو كبيرة (ثم يرم به بريئا) كما رمى طعمة زيدا (فقد احتمل بهتانا وإثما) لأنه بكسب الاثم آثم ويرمى البرئ باهت فهو جامع بين الامرين. وقرأ معاذ بن جبل رضي الله عنه ومن يكسب بكسر الكاف والسين المشددة وأصله يكتسب (ولولا فضل الله عليك ورحمته) أي عصمته وألطافه وما أوحى إليك من الاطلاع على سرهم (لهمت طائفة منهم) من بني ظفر (أن يضلوك) عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل مع علمهم بأن الجاني هو صاحبهم، فقد روي أن ناسا منهم كانوا يعلمون كنه القصة (وما يضلون إلا أنفسهم) لان وباله عليهم (وما يضرونك من شئ) لأنك إنما عملت بظاهر الحال وما كان يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك (وعلمك ما لم تكن تعلم) من خفيات الأمور وضمائر القلوب أو من أمور الدين والشرائع، ويجوز أن يراد بالطائفة بنو ظفر ويرجع الضمير في منهم إلى الناس. وقيل الآية في المنافقين (لا خير في كثير من نجواهم) من تناجي الناس (إلا من أمر بصدقة) إلا نجوى من أمر على أنه مجرور بدل من كثير كما تقول لا خير في قيامهم إلا قيام زيد، ويجوز أن يكون منصوبا على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير. وقيل المعروف القرض، وقيل إغاثة الملهوف، وقيل هو عام في كل جميل، ويجوز أن يراد بالصدقة الواجب وبالمعروف ما يتصدق به على سبيل التطوع: وعن النبي صلى الله عليه وسلم (كلام ابن آدم كله عليه لا له، إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله) وسمع سفيان رجلا يقول: ما أشد هذا الحديث، فقال ألم تسمع الله يقول - لا خير في كثير من نجواهم - فهو هذا بعينه، أو ما سمعته يقول - والعصر إن الانسان لفي خسر - فهو هذا بعينه. وشرط في استيجاب الاجر العظيم أن ينوي فاعل الخير عبادة الله والتقرب به إليه وأن يبتغي به وجهه خالصا لان الأعمال بالنيات . فإن قلت: كيف قال إلا من أمر ثم قال (ومن يفعل ذلك)؟ قلت: قد ذكر الآمر بالخير ليدل به على فاعله، لأنه إذا دخل الآمر به في زمرة الخيرين كان الفاعل فيهم أدخل، ثم قال: ومن يفعل ذلك فذكر الفاعل وقرن به الوعد بالاجر العظيم، ويجوز أن يراد ومن يأمر بذلك فعبر عن الامر بالفعل كما يعبر به عن سائر الأفعال وقرئ يؤتيه بالياء (ويتبع غير سبيل المؤمنين) وهو السبيل الذي هم عليه من الدين الحنيفي القيم، وهو دليل على أن الاجماع حجة لا تجوز مخالفتها كما لا تجوز مخالفة الكتاب والسنة لان الله عز وعلا جمع بين أتباع سبيل غير المؤمنين وبين مشاقة الرسول في الشرط وجعل جزاءه الوعيد الشديد فكان اتباعهم واجبا كموالاة الرسول عليه الصلاة
(٥٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 558 559 560 561 562 563 564 565 566 567 568 ... » »»