الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٧٩
بهتانا عظيما. وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما
____________________
فبما نقضهم ويجعل قوله بل طبع الله عليها بكفرهم كلاما تبع قوله وقالوا قلوبنا غلف على وجه الاستطراد، ويجوز عطفه على ما يليه من قوله بكفرهم. فإن قلت: ما معنى المجئ بالكفر معطوفا على ما فيه ذكره سواء عطف على ما قبل حرف الاضراب أو على ما بعده وهو قوله وكفرهم بآيات الله وقوله بكفرهم؟ قلت: قد تكرر منهم الكفر لانهم كفرا بموسى ثم بعيسى ثم بمحمد صلوات الله عليهم، فعطف بعض كفرهم على بعض، أو عطف مجموع المعطوف على مجموع المعطوف عليه كأنه قيل: فبجمعهم بين نقض الميثاق والكفر بآيات الله وقتل الأنبياء وقولهم قلوبنا غلف، وجمعهم بين كفرهم وبهتهم مريم وافتخارهم بقتل عيسى عاقبناهم، أو بل طبع الله عليها بكفرهم وجمعهم بين كفرهم وكذا وكذا. والبهتان العظيم هو التزنية. فإن قلت: كانوا كافرين بعيسى عليه السلام أعداء له عامدين لقتله يسمونه الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة فكيف قالوا (أنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله)؟ قلت: قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون - إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون - ويجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعا لعيسى عما كانوا يذكرونه به وتعظيما لما أرادوا بمثله كقوله - ليقولن خلقهن العزيز العليم. الذي جعل لكم الأرض مهدا - روي أن رهطا من اليهود سبوه وسبوا أمه فدعا عليهم: اللهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني، اللهم العن من سبني وسب والدتي، فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير، فأجمعت اليهود على قتله، فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود، فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب ويدخل الجنة؟ فقال رجل منهم أنا، فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب. وقيل كان رجلا ينافق عيسى فلما أرادوا قتله قال أنا أدلكم عليه، فدخل
(٥٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 574 575 576 577 578 579 580 581 582 583 584 ... » »»