درجات منه ومغفرة ورحمة، وكان الله غفورا رحيما. إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان
____________________
ما لهم لا يستوون، فأجيب بذلك. والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف (وكلا) وكل فريق من القاعدين والمجاهدين (وعد الله الحسنى) أي المثوبة الحسنى وهي الجنة إن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وكانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد وبهم ما يمنعهم من المسير من ضرر أو غيره). فإن قلت: قد ذكر الله تعالى مفضلين درجة ومفضلين درجات فمن هم؟ قلت: أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الاضراء، وأما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم لان الغزو فرض كفاية. فإن قلت: لم نصب درجة وأجرا ودرجات؟ قلت: نصب قوله درجة لوقوعها موقع المرة من التفضيل كأنه قيل فضلهم تفضيلة واحدة، ونظيره قولك ضربه سوطا بمعنى ضربه ضربة، وأما أجرا فقد انتصب بفضل لأنه في معنى أجرهم أجرا ودرجات ومغفرة ورحمة بدل من أجرا، ويجوز أن ينتصب درجات نصب درجة كما تقول ضربه أسواطا بمعنى ضربات كأنه قيل وفضله تفضيلات، ونصب أجرا عظيما على أنه حال عن النكرة التي هي درجات مقدمة عليها وانتصب مغفرة ورحمة بإضمار فعلهما بمعنى وغفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة (توفاهم) يجوز أن يكون ماضيا كقراءة من قرأ توفتهم، ومضارعا بمعنى تتوفاهم كقراءة من قرأ توفاهم على مضارع وفيت بمعنى أن الله يوفى الملائكة أنفسهم فيتوفونها: أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها (ظالمي أنفسهم) في حال ظلمهم أنفسهم (قالوا) قال الملائكة للمتوفين (فيم كنتم) في أي شئ كنتم من أمر دينكم وهم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة. فإن قلت: كيف صح وقوع قوله (كنا مستضعفين في الأرض) جوابا عن قولهم فيم كنتم وكان حق الجواب أن يقولوا كنا في كذا أو لم نكن في شئ. قلت: معنى فيم كنتم التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شئ من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا فقالوا: كنا مستضعفين اعتذارا مما وبخوا به واعتلالا بالاستضعاف، وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا في شئ فبكتهم الملائكة بقولهم (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) أرادوا إنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد