الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٣٢
أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا. إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما.
____________________
أي من قبل أن نغير أحوال وجهائهم فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم ونكسوهم صغارهم وإدبارهم، أو نردهم إلى حيث جاءوا منه وهي أذرعات الشام يريد إجلاء بني النضير. فإن قلت: لمن الراجع في قوله أو نلعنهم؟ قلت: للوجوه إن أريد الوجهاء أو لأصحاب الوجوه لان المعنى: من قبل أن نطمس وجوه قوم أو يرجع إلى الذين أوتوا الكتاب على طريقة الالتفات (أو نلعنهم) أو نجزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت. فإن قلت: فأين وقوع الوعيد؟
قلت: هو مشروط بالايمان وقد آمن منهم ناس. وقيل هو منتظر ولا بد من طمس ومسخ لليهود قبل يوم القيامة، ولان الله عز وجل أوعدهم بأحد الامرين بطمس وجوه منهم أو بلعنهم، فإن كان الطمس تبديل أحوال رؤسائهم أو إجلاؤهم إلى الشام فقد كان أحد الامرين وإن كان غيره فقد حصل اللعن فإنهم ملعونون بكل لسان، والظاهر اللعن المتعارف دون المسخ. ألا ترى إلى قوله تعالى - قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير - (وكان أمر الله مفعولا) فلا بد أن يقع أحد الامرين إن لم يؤمنوا.
فإن قلت: قد ثبت أن الله عز وجل يغفر الشرك لمن تاب منه وأنه لا يغفر ما دون الشرك من الكبائر إلا بالتوبة فما وجه قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)؟ قلت: الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله تعالى - لمن يشاء - كأنه قيل إن الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك، على أن المراد بالأول من لم يتب وبالثاني من تاب، ونظيره قولك: إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء، تريد لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله (فقد افترى إثما) أي ارتكبه وهو مفتر
(٥٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 537 ... » »»