الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٣٠
إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل.
والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا. من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا
____________________
بمعنى ألم تنظر إليهم؟ (أوتوا نصيبا من الكتاب) حظا من علم التوراة وهم أحبار اليهود (يشترون الضلالة) يستبدلونها بالهدى وهو البقاء على اليهودية بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنه هو النبي العربي المبشر به في التوراة والإنجيل (ويريدون أن تضلوا) أنتم أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوه وتنخرطوا في سلكهم لا تكفيهم ضلالتهم بل يحبون أن يضل معهم غيرهم. وقرئ أن يضلوا بالياء بفتح الضاد وكسرها (والله أعلم) منكم (بأعدائكم) وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وأطلعكم على أحوالهم وما يريدون بكم فاحذروهم ولا تستنصحوهم في أموركم ولا تستشيروهم (وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا) فثقوا بولايته ونصرته دونهم، أو لا تبالوا بهم فإن الله ينصركم عليهم ويكفيكم مكرهم (من الذين هادوا) بيان للذين أوتوا نصيبا من الكتاب لانهم يهود ونصارى، وقوله والله أعلم وكفى بالله وكفى بالله جمل توسطت بين البيان والمبين على سبيل الاعتراض، أو بيان لأعدائكم وما بينهما اعتراض أو صلة لنصيرا: أي ينصركم من الذين هادوا كقوله - ونصرناه من القوم الذين كذبوا - ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ على أن يحرفون مبتدأ محذوف تقديره من الذين هادوا قوم يحرفون كقوله:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى ابتغي العيش أكدح أي فمنهما تارة أموت فيها (يحرفون الكلم عن مواضعه) يميلونه عنها ويزلونه لانهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه التي وضعه الله فيها وأزالوه عنها، وذلك نحو تحريفهم أسمر ربعة عن موضعه في التوراة بوضعهم آدم طوال مكانه، ونحو تحريفهم الرجم بوضعهم الحد بدله. فإن قلت: كيف قيل ههنا عن مواضعه وفي الموائدة من بعد مواضعه؟ قلت: أما عن مواضعه فعلى ما فسرناه من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه. وأما من بعد مواضعه فالمعنى: أنه كانت له مواضع هو قمن بأن يكون فيها، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره والمعنيان متقاربان. وقرئ يحرفون الكلام والكلم بكسر الكاف وسكون اللام جمع كلمة تخفيف كلمة. قولهم (غير مسمع) حال من المخاطب: أي اسمع وأنت غير مسمع وهو قول ذو وجهين يحتمل الذم: أي اسمع منا مدعوا عليك بلا سمعت، لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع فكان أصم غير مسمع، قالوا ذلك اتكالا على أن قولهم:
لا سمعت دعوة مستجابة: أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه، ومعناه: غير مسمع جوابا يوافقك، فكأنك لم تسمع شيئا، أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه فسمعك عنه ناب. ويجوز على هذا أن يكون غير مسمع مفعول اسمع: أي اسمع كلاما غير مسمع إياك لان أذنك لا تعيه نبوا عنه، ويحتمل المدح: أي اسمع غير مسمع مكروها من قولك أسمع فلان فلانا: إذا سبه، وكذلك قولهم (راعنا) يحتمل راعنا نكلمك: أي أرقبنا وانتظرنا، ويحتمل شبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها وهي راعينا، فكانوا سخرية بالدين وهزؤا برسول الله صلى الله
(٥٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 525 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 ... » »»