الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٥٣١
ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا. يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها
____________________
عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والاكرام (ليا بألسنتهم) فتلا بها وتحريفا: أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون راعنا موضع انظرنا وغير مسمع موضع لا أسمعت مكروها، أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا. فإن قلت: كيف جاءوا بالقول المحتمل ذي الوجهين بعد ما صرحوا وقالوا سمعنا وعصينا؟ قلت: جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء. ويجوز أن يقولوه فيما بينهم، ويجوز أن لا ينطقوا بذلك، ولكنهم لما لم يؤمنوا جعلوا كأنهم نطقوا به. وقرأ أبي وأنظرنا من الانظار وهو الامهال. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في قوله (لكان خيرا لهم)؟ قلت: إلى أنهم قالوا لان المعنى: ولو ثبت قولهم سمعنا وأطعنا لكان قولهم ذلك خيرا لهم (وأقوم) وأعدل وأسد (ولكن لعنهم الله بكفرهم) أي خذلهم بسبب كفرهم وأبعدهم عن ألطافه (فلا يؤمنون إلا) إيمانا (قليلا) ضعيفا ركيكا لا يعبأ به، وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره، أو أراد بالقلة العدم كقوله:
* قليل التشكي للمهم يصيبه * أي عديم التشكي، أو إلا قليلا منهم قد آمنوا (أن نطمس وجوها) أي نمحوا تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم (فنردها على أدبارها) فنجعلها على هيئة أدبارها، وهي الاقفاء مطموسة مثلها، والفاء للتسبيب وإن جعلتها للتعقيب على أنهم توعدوا بعقابين أحدهما عقيب الآخر ردها على أدبارها بعد طمسها، فالمعنى: أن نطمس وجوها فننكسها، الوجوه إلى خلف والاقفاء إلى قدام. ووجه آخر وهو أن يراد بالطمس القلب والتغيير كما طمس أموال القبط فقلبها حجارة، وبالوجوه رؤوسهم ووجهاؤهم:
(٥٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 536 ... » »»