الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٧٥
فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين. إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس
____________________
وسلم، وقيل كان سادات العرب إذا لم يشاوروا في الامر شق عليهم، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم، وقرئ وشاورهم في بعض الامر (فإذا عزمت) فإذا قطعت الرأي على شئ بعد الشورى (فتوكل على الله) في إمضاء أمرك على الأرشد الأصلح، فإن ما هو أصلح لك لا يعلمه الا الله لا أنت ولا من تشاور. وقرئ فإذا عزمت بضم التاء، بمعنى: فإذا عزمت لك على شئ وأرشدتك إليه فتوكل علي ولا تشاور بعد ذلك أحدا، (إن ينصركم الله) كما نصركم يوم بدر فلا أحد يغلبكم (وان يخذلكم) كما خذلكم يوم أحد (فمن ذا الذي ينصركم) فهذا تنبيه على أن الامر كله لله وعلى وجوب التوكل عليه، ونحوه ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده - (من بعده) من بعد خذلانه أو هو من قولك:
ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان، تريد إذا جاوزته. وقرأ عبيد بن عمير وإن يخذلكم من أخذله: إذا جعله مخذولا، وفيه ترغيب في الطاعة وفيما يستحقون به النصر من الله تعالى والتأييد، وتحذير من المعصية ومما يستوجبون به العقوبة بالخذلان (وعلى الله) وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه لعلمهم أنه لا ناصر سواه ولان إيمانهم يوجب ذلك ويقتضيه. يقال غل شيئا من المغنم غلولا وأغل إغلالا: إذا أخذه في خفية، يقال أغل الجازر: إذا سرق من اللحم شيئا مع الجلد، والغل: الحقد الكامن في الصدر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم (من بعثناه على عمل فغل شيئا جاء يوم القيامة يحمله على عنقه) وقوله صلى الله عليه وسلم (هدايا الولاة غلول) وعنه (ليس على المستعير غير المغل ضمان) وعنه (لا إغلال ولا إسلال) ويقال أغله: إذا وجده غالا كقولك أبخلته وأفحمته، ومعنى (وما كان لنبي أن يغل) وما صح له ذلك، يعني أن النبوة تنافي الغلول، وكذلك من قرأ على البناء للمفعول فهو راجع إلى معنى الأول، لان معناه: وما صح له أن يوجد غالا ولا يوجد غالا إلا إذا كان غالا. وفيه وجهان: أحدهما أن يبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وينزه وينبه على عصمته بأن النبوة والغلول متنافيان لئلا يظن به ظان شيئا منه وأن لا يستريب به أحد، كما روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر فقال بعض المنافقين لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها. وروي أنها نزلت في غنائم أحد حين ترك الرماة المركز وطلبوا الغنيمة وقالوا: نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألم أعهد إليكم أن لا تتركوا المركز حتى يأتيكم أمري؟ فقالوا تركنا بقية إخواننا وقوفا، فقال صلى الله عليه وسلم: بل ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم.
والثاني ان يكون مبالغة في النهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روي أنه بعث طلائع فغنمت غنائم فقسمها
(٤٧٥)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 470 471 472 473 474 475 476 477 478 479 480 ... » »»