____________________
ما علم الله في فلان خيرا، يريد ما فيه خير حتى يعلمه، ولما بمعنى لم إلا أن فيها ضربا من التوقع، فدل على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل، وتقول: وعدني أن يفعل كذا ولما تريد ولم يفعل وأنا أتوقع فعله، وقرئ ولما يعلم الله بفتح الميم، وقيل أراد النون الخفيفة ولما يعلمن فحذفها (ويعلم الصابرين) نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع كقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وقرأ الحسن بالجزم على العطف، وروى عبد الوارث عن أبي عمرو ويعلم بالرفع على أن الواو للحال كأنه قيل: ولما تجاهدوا وأنتم صابرون (ولقد كنتم تمنون الموت) خوطب به الذين لم يشهدوا بدرا وكانوا يتمنون أن يحضروا مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من كرامة الشهادة ما نال شهداء بدر، وهم الذين ألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المشركين وكان رأيه في الإقامة بالمدينة، يعني وكنتم تمنون الموت قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته وصعوبة مقاساته (فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) أي رأيتموه معاينين مشاهدين له حين قتل بين أيديكم من قتل من إخوانكم وأقاربكم وشارفتم أن تقتلوا، وهذا توبيخ لهم على تمنيهم الموت وعلى ما تسببوا له من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلحاحهم عليه ثم انهزامهم عنه وقلة ثباتهم عنده. فإن قلت: كيف يجوز تمني الشهادة وفي تمنيها تمني غلبة الكافر المسلم؟ قلت: قصد متمني الشهادة إلى نيل كرامة الشهداء لا غير، ولا يذهب وهمه إلى ذلك المتضمن كما أن من يشرب دواء الطبيب النصراني قاصد إلى حصول المأمول من الشفاء ولا يخطر بباله أن فيه جر منفعة وإحسان إلى عدو الله وتنفيقا لصناعته، ولقد قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حين نهض إلى مؤتة، وقيل له ردكم الله:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقولوا إذا مروا على جدثي * أرشدك الله من غاز وقد رشدا لما رمى عبد الله بن قمئة الحارثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه أقبل يريد قتله، فذب عنه صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد حتى قتله ابن قمئة وهو
لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقولوا إذا مروا على جدثي * أرشدك الله من غاز وقد رشدا لما رمى عبد الله بن قمئة الحارثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه أقبل يريد قتله، فذب عنه صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد حتى قتله ابن قمئة وهو