الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٧٣
وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور.
ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم. يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك
____________________
الغالبون لعلمه ان العاقبة في الغلبة لهم، وان دين الاسلام يظهر على الدين كله وأن ما ينكبون به في بعض الأوقات تمحيص لهم وترغيب في الشهادة، وحرصهم على الشهادة مما يحرضهم على الجهاد فتحصل الغلبة. وقيل معناه: هل لنا من التدبير من شئ، يعنون لم نملك شيئا من التدبير حيث خرجنا من المدينة إلى أحد، وكان علينا أن نقيم ولا نبرح كما كان رأى عبد الله بن أبي وغيره، ولو ملكنا من التدبير شيئا لما قتلنا في هذه المعركة، قل إن التدبير كله لله، يريد أن الله عز وجل قد دبر الامر كما جرى ولو أقمتم بالمدينة ولم تخرجوا من بيوتكم لما نجا من القتل من قتل منكم. وقرئ كتب عليهم القتال، وكتب عليهم القتل على البناء للفاعل، ولبرز بالتشديد وضم الباء (وليبتلي الله) وليمتحن ما في صدور المؤمنين من الاخلاص ويمحص ما في قلوبهم من وساوس الشيطان فعل ذلك أو فعل ذلك لمصالح جمة وللابتلاء والتمحيص. فإن قلت: كيف مواقع الجمل التي بعد قوله وطائفة؟ قلت: قد أهمتهم صفة لطائفة ويظنون صفة أخرى أو حال بمعنى قد أهمتهم أنفسهم ظانين أو استئناف على وجه البيان للجملة قبلها، ويقولون بدل من يظنون. فإن قلت: كيف صح أن يقع ما هو مسألة عن الامر بدلا من الإخبار بالظن؟ قلت:
كانت مسألتهم صادرة عن الظن فلذلك جاز إبداله منه ويخفون حال من يقولون، و- قل إن الامر كله لله - اعتراض بين الحال وذي الحال، ويقولون بدل من يخفون، والأجود أن يكون استئنافا (استزلهم) طلب منهم الزلل ودعاهم إليه ببعض ما كسبوا من ذنوبهم، ومعناه: أن الذين انهزموا يوم أحد كان السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبا، فلذلك منعهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا. وقيل استزلال الشيطان إياهم هو التولي، وإنما دعاهم إليه بذنوب قد تقدمت لهم لان الذنب يجر إلى الذنب كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة وتكون لطفا فيها.
وقال الحسن رضي الله عنه: استزلهم بقبول ما زين لهم من الهزيمة، وقيل بعض ما كسبوا: هو تركهم المركز الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات فيه، فجرهم ذلك إلى الهزيمة. وقيل ذكرهم تلك الخطايا فكرهوا لقاء الله معها فأخروا الجهاد حتى يصلحوا أمرهم ويجاهدوا على حال مرضية. فإن قلت: لم قيل ببعض ما كسبوا؟
قلت: هو كقوله تعالى - ويعفوا عن كثير - (ولقد عفا الله عنهم) لتوبتهم واعتذارهم (إن الله غفور) للذنوب (حليم) لا يعاجل بالعقوبة (وقالوا لإخوانهم) أي لأجل إخوانهم كقوله تعالى - وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه - ومعنى الاخوة: اتفاق الجنس أو النسب (إذا ضربوا في الأرض) إذا سافروا فيها وأبعدوا للتجارة أو غيرها (أو كانوا غزى) جمع غاز كعاف وعفى كقوله: عفى الحياص أجون. وقرئ بتخفيف الزاي على حذف التاء من غزاة. فإن قلت: كيف قيل إذا ضربوا مع قالوا؟ قلت: هو على حكاية الحال الماضية
(٤٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 468 469 470 471 472 473 474 475 476 477 478 ... » »»