الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٦٢
ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.
وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم. ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين. ليس لك من الأمر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون. ولله ما في السماوات وما
____________________
بأكثر من ذلك العدد مسومين للقتال (ويأتوكم) يعني المشركين (من فورهم هذا) من قولك قفل من غزوته وخرج من فوره إلى غزوة أخرى وجاء فلان ورجع من فوره، ومنه قول أبي حنيفة رحمه الله: الأمر على الفور لا على التراخي، وهو مصدر من فارت القدر: إذا غلت، فاستعير للسرعة ثم سميت به الحالة التي لا ريث فيها ولا تعريج على شئ من صاحبها فقيل خرج من فوره كما تقول من ساعته لم يلبث. والمعنى: أنهم إن يأتوكم من ساعتهم هذه (يمددكم ربكم) بالملائكة في حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم، يريد أن الله يعجل نصرتكم وييسر فتحكم إن صبرتم واتقيتم. وقرئ منزلين بالتشديد ومنزلين بكسر الزاي بمعنى منزلين النصر ومسومين بفتح الواو وكسرها بمعنى معلمين ومعلمين أنفسهم أو خيلهم. قال الكلبي: معلمين بعمائم صفر مرخاة على أكتافهم. وعن الضحاك: معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب وأذنابها. وعن مجاهد مجزوزة أذناب خيلهم. وعن قتادة كانوا على خيل بلق. وعن عروة بن الزبير كانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء فنزلت الملائكة كذلك. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: " تسوموا فإن الملائكة قد تسومت " (وما جعله الله) الهاء لأن يمدكم: أي وما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلا بشارة لكم بأنكم تنصرون (ولتطمئن قلوبكم به) كما كانت السكينة لبني إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة لقلوبهم (وما النصر إلا من عند الله) لا من عند المقاتلة إذا تكاثروا ولا من عند الملائكة والسكينة، ولكن ذلك مما يقوي به الله رجاء النصرة والطمع في الرحمة ويربط به على قلوب المجاهدين (العزيز) الذي لا يغالب في حكمه (الحكيم) الذي يعطي النصر ويمنعه لما يرى من المصلحة (ليقطع طرفا من الذين كفروا) ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش وصناديدهم (أو يكبتهم) أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة (فينقلبوا خائبين) غير ظافرين بمبتغاهم، ونحوه - ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا - ويقال كبته بمعنى كبده: إذا ضرب كبده بالغيظ والحرقة، وقيل في قول أبي الطيب: * لأكبت حاسدا وأرى عدوا * هو من الكبد والرئة، واللام متعلقة بقوله " ولقد نصركم الله " أو بقوله " وما النصر إلا من عند الله " (أو يتوب) عطف على ما قبله و- ليس لك من الأمر شئ - اعتراض، والمعنى: أن الله مالك أمرهم فإما يهلكهم أو يهزمهم، أو يتوب عليهم إن أسلموا، أو يعذبهم إن أصروا على الكفر، وليس لك من أمرهم شئ إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم. وقيل إن يتوب منصوب بإضمار أن، وأن يتوب في حكم اسم معطوف بأو على الأمر أو على شئ: أي ليس لك من أمرهم شئ أو من التوبة عليهم أو من تعذيبهم، أو ليس لك من أمرهم شئ أو التوبة عليهم أو تعذيبهم. وقيل أو بمعنى إلا أن كقولك لألزمنك أو تعطيني حقي على معنى ليس لك من أمرهم شئ إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح بحالهم
(٤٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 ... » »»