الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٥٧
أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.
____________________
كما قالت ليلى الأخيلية:
ولم تغلب الخصم الألد وتملأ ال‍ * جفان سديفا يوم نكباء صرصر فإن قلت: فما معنى قوله (كمثل ريح فيها صر). قلت: فيه أوجه: أحدها أن الصر في صفة الريح بمعنى الباردة، فوصف بها القرة بمعنى فيها قرة صر كما تقول برد بارد على المبالغة، والثاني أن يكون الصر مصدرا في الأصل بمعنى البرد فجئ به على أصله، والثالث أن يكون من قوله تعالى - لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة - ومن قولك:
إن ضيعني فلان ففي الله كاف كافل، قال * وفي الرحمن للضعفاء كافي * شبه ما كانوا ينفقون من أموالهم في المكارم والمفاخر وكسب الثناء وحسن الذكر بين الناس لا يبتغون به وجه الله بالزرع الذي حسه البرد فذهب حطاما، وقيل هو ما كانوا يتقربون به إلى الله مع كفرهم، وقيل ما أنفقوا في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضاع عنهم لأنهم لم يبلغوا بإنفاقه ما أنفقوه لأجله، وشبه بحرث (قوم ظلموا أنفسهم) فأهلك عقوبة لهم على معاصيهم لأن الإهلاك عن سخط أشد وأبلغ (1). فإن قلت: الغرض تشبيه ما أنفقوا في قلة جدواه وضياعه بالحرث الذي ضربته الصر والكلام غير مطابق للغرض حيث جعل ما ينفقون ممثلا بالريح. قلت: هو من التشبيه المركب الذي مر في تفسير قوله - كمثل الذي استوقد نارا - ويجوز أن يراد مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح وهو الحرث، وقرئ تنفقون بالتاء (وما ظلمهم الله) الضمير للمنفقين على معنى: وما ظلمهم الله بأن لم يقبل نفقاتهم ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث لم يأتوا بها مستحقة للقبول أو لأصحاب

(1) فإن قلت: فلم قال ظلموا أنفسهم ولم يقتصر بقوله أصابت الحرث أو أصابت حرث قوم. قلت: لأن الغرض تشبيه ما ينفقون بشئ يذهب على الكلية حتى لا يبقى منه شئ، وحرث الكافرين الظالمين هو الذي يذهب على الكلية لا منفعة لهم فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة، فأما حرث المسلم المؤمن فلا يذهب على الكلية لأنه وإن كان يذهب صورة إلا أنه لا يذهب معنى لما فيه من حصول أغراض لهم في الآخرة والثواب بالصبر على الذهاب اه‍ من هامش قال فيه: حاشيته كتبته بإملاء المصنف.
(٤٥٧)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 452 453 454 455 456 457 458 459 460 461 462 ... » »»