الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٦١
تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون. ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون. إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين. بلى إن تصبروا وتتقوا
____________________
فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري فقال: أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم، فقال عبد الله: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، فهم الحيان باتباع عبد الله فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنه:
أضمروا أن يرجعوا فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا، والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس، وكما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه، كما قال عمرو بن الإطنابة:
أقول لها إذا جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي حتى قال معاوية: عليكم بحفظ الشعر فقد كدت أضع رجلي في الركاب يوم صفين فما ثبت مني إلا قول عمرو ابن الإطنابة، ولو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية والله تعالى يقول (والله وليهما) ويجوز أن يراد والله ناصرهما ومتولي أمرها فما لهما تفشلان ولا تتوكلان على الله. فإن قلت: فما معنى ما روي من قول بعضهم عند نزول الآية:
والله ما يسرنا أنا لم نهم بالذي هممنا به وقد أخبرنا الله بأنه ولينا؟ قلت: معنى ذلك فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله وإنزاله فيه آية ناطقة بصحة الولاية، وأن تلك الهمة غير المأخوذ بها لأنها لم تكن عن عزيمة وتصميم كانت سببا لنزولهما. والفشل الجبن والخور، وقرأ عبد الله " والله وليهم " كقوله - وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا - أمرهم بأن لا يتوكلوا إلا عليه ولا يفوضوا أمورهم إلا إليه. ثم ذكرهم ما يوجب عليهم التوكل مما يسر لهم من الفتح يوم بدر وهم في حال قلة وذلة، والأذلة جمع قلة والذلان جمع الكثرة، وجاء بجمع القلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلا، وذلتهم ما كان بهم من ضعف الحال وقلة السلاح والمال والركوب، وذلك أنهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم إلا فرس واحد، وقلتهم أنهم كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر، وكان عدوهم في حال كثرة زهاء ألف مقاتل ومعهم مائة فرس. والشكة والشوكة. وبدر اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يمسى بدرا فسمي به (فاتقوا الله) في الثبات مع رسوله (لعلكم تشكرون) بتقواكم ما أنعم به عليكم من نصرته، أو لعلكم ينعم الله عليكم نعمة أخرى تشكرونها، فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له (إذ تقول) ظرف لنصركم على أن يقول لهم ذلك يوم بدر، أو بدل ثان من إذ غدوت على أن يقوله لهم يوم أحد. فإن قلت: كيف يصح أن يقول لهم يوم أحد ولم تنزل فيه الملائكة؟ قلت: قاله لهم مع اشتراط الصبر والتقوى عليهم فلم يصبروا عن الغنائم ولم يتقوا حيث خالفوا أمر رسول الله صلى عليه وسلم فلذلك لم تنزل الملائكة، ولو تموا على ما شرط عليهم لنزلت، وإنما قدم لهم الوعد بنزول الملائكة لتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات ويثقوا بنصر الله، ومعنى (ألن يكفيكم) إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة، وإنما جئ بلن الذي هو لتأكيد النفي للإشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وشوكته كالآيسين من النصر.
و (بلى) إيجاب لما بعد لن بمعنى بلى يكفيكم الإمداد بهم فأوجب الكفاية ثم قال (إن تصبروا وتتقوا) يمددكم
(٤٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 466 ... » »»