الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٥١
جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها
____________________
الرد، من قال به صدق ومن عمل به رشد ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم " (ولا تفرقوا) ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كما اختلفت اليهود والنصارى، أو كما كنتم متفرقين في الجاهلية متدابرين يعادي بعضكم بعضا ويحاربه، أو ولا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع والألفة التي أنتم عليها مما يأباه جامعكم والمؤلف بينكم وهو اتباع الحق والتمسك بالإسلام، كانوا في الجاهلية بينهم الإحن والعداوات والحروب المتواصلة فألف الله بين قلوبهم بالإسلام، وقذف فيها المحبة فتحابوا وتوافقوا وصاروا (إخوانا) متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد قد نظم بينهم وأزال الاختلاف وهو الأخوة في الله، وقيل هم الأوس والخزرج كانا أخوين لأب وأم، فوقعت بينهما العداوة وتطاولت الحرب مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام وألف بينهم برسول الله صلى الله عليه وسلم (وكنتم على شفا حفرة من النار) وكنتم مشفقين على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر (فأنقذكم منها) بالإسلام والضمير للحفرة أو للنار أو للشفا، وإنما أنث لإضافته إلى الحفرة وهو منها كما قال * كما شرقت صدر القناة من الدم * وشفا الحفرة وشفتها حرفها بالتذكير والتأنيث ولامها واو، إلا أنها في المذكر مقلوبة وفي المؤنث محذوفة ونحو الشفا والشفة الجانب والجانبة. فإن قلت: كيف جعلوا على حرف حفرة من النار؟ قلت: لو ماتوا على ما كانوا عليه وقعوا في النار فمثلت حياتهم التي يتوقع بعدها
(٤٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 ... » »»