الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٦٤
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على فعلوا وهم يعلمون.
____________________
ينفقوا في كلتا الحالتين ما قدروا عليه من كثير أو قليل، كما حكي عن بعض السلف أنه ربما تصدق ببصلة. وعن عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت بحبة عنب، أو في جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرة لا تمنعهم حال فرح وسرور ولا حال محنة وبلاء من المعروف، وسواء عليهم كان الواحد منهم في عرس أو حبس فإنه لا يدع الإحسان. وافتتح بذكر الإنفاق لأنه أشق شئ على النفس وأدله على الإخلاص، ولأنه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال للحاجة إليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين. كظم القربة: إذا ملأها وشد فاها وكظم البعير: إذا لم يجتر، ومنه كظم الغيظ، وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثرا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا " وعن عائشة رضي الله عنها أن خادما لها غاظها فقالت: لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء (والعافين عن الناس) إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه. وروي " ينادي مناد يوم القيامة أين الذين كانت أجورهم على الله؟ فلا يقوم إلا من عفا " وعن ابن عيينة أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصم الله وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت " (والله يحب المحسنين) يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون، وأن تكون للعهد فتكون إشارة إلى هؤلاء (والذين) عطف على المتقين:
أي أعدت للمتقين وللتائبين، وقوله: أولئك إشارة إلى الفريقين، ويجوز أن يكون والذين مبتدأ خبره أولئك (فاحشة) فعلة متزايدة القبح (أو ظلموا أنفسهم) أو أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به، وقيل الفاحشة الزنا، وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة ونحوهما، وقيل الفاحشة الكبيرة وظلم النفس الصغيرة (ذكروا الله) تذكروا عقابه أو وعيده أو نهيه أو حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء منه (فاستغفروا لذنوبهم) فتابوا عنها لقبحها نادمين عازمين (ومن يغفر الذنوب إلا الله) وصف لذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وأن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه، وأن عدله يوجب المغفرة للتائب، لأن العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز، وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط وأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم. والمعنى: أنه وحده معه مصححات المغفرة، وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه (ولم يصروا) ولم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة " وروي " لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار " (وهم يعلمون) حال من فعل الإصرار وحرف النفي منصب عليهما معا، والمعنى:
وليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها وبالوعيد عليها لأنه قد يعذر من لا يعلم قبح
(٤٦٤)
مفاتيح البحث: مدينة الكاظمين (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 469 ... » »»