الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٤٧
مباركا وهدى للعالمين. فيه آيات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا
____________________
قال: إذا الشريب أخذته الأكه * فخله حتى يبك بكه وقيل تبك أعناق الجبابرة: أي تدقها لم يقصدها جبار إلا قصمه الله تعالى (مباركا) كثير الخير لما يحصل لمن حجه واعتمره وعكف عنده وطاف حوله من الثواب وتكفير الذنوب وانتصابه على الحال من المستكن في الظرف، لأن التقدير للذي ببكة هو، والعامل فيه المقدر في الظرف من فعل الاستقرار (وهدى للعالمين) لأنه قبلتهم ومتعبدهم (مقام إبراهيم) عطف بيان لقوله آيات بينات. فإن قلت: كيف صح بيان الجماعة بالواحد. قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله ونبوة إبراهيم من تأثير قدمه في حجر صلد كقوله تعالى - إن إبراهيم كان أمة - والثاني اشتماله على الآيات لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية وغوصه فيها إلى الكعبين آية، وإلانة بعض الصخر دون بعض آية، وإبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء عليهم السلام آية لإبراهيم خاصة وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين وأهل الكتاب والملاحدة ألوف سنة أية، ويجوز أن يراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله لأن الاثنين نوع من الجمع كالثلاثة والأربعة، ويجوز أن تذكر هاتان الآيتان ويطوى ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات كأنه قيل فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن من دخله وكثيره سواهما، ونحوه في طي الذكر قول جرير:
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهمو * من العبيد وثلث من مواليها ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرة عيني في الصلاة " وقرأ ابن عباس وأبي ومجاهد وأبو جعفر المدني في رواية قتيبة آية بينة على التوحيد، وفيها دليل على أن مقام إبراهيم واقع وحده عطف بيان. فإن قلت: كيف أجزت أن يكون مقام إبراهيم والأمن عطف بيان للآيات، وقوله ومن دخله كان آمنا جملة مستأنفة ابتدائية وإما شرطية؟ قلت: أجزت ذلك من حيث المعنى لأن قوله - ومن دخله كان آمنا - دل على أمن داخله، فكأنه قيل فيه آيات بينات مقام إبراهيم وأمن داخله، ألا ترى أنك لو قلت فيه آية بينة من دخله كان
(٤٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 ... » »»