الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٤٨
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
____________________
آمنا صح لأنه في معنى قولك فيه آية بينة أمن من دخله. فإن قلت: كيف كان سبب هذا الأثر؟ قلت: فيه قولان: أحدهما أنه لما ارتفع بنيان الكعبة وطعف إبراهيم عن رفع الحجارة قام على هذا الحجر فغاصت فيه قدماه، وقيل إنه جاء زائرا من الشأم إلى مكة فقالت له امرأة إسماعيل: انزل حتى يغسل رأسك، فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه على حتى غسلت شق رأسه ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقي أثر قدميه عليه. ومعنى - ومن دخله كان آمنا - معنى قوله - أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم - وذلك بدعوة إبراهيم عليه السلام - رب اجعل هذا البلد آمنا - وكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يطلب. وعن عمر رضي الله عنه: لو ظفرت بقاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه.
وعند أبي حنيفة: من لزمه القتل في الحل بقصاص أو ردة أو زنا فالتجأ إلى الحرم لم يتعرض له إلا أنه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج. وقيل آمنا من النار. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا " وعن عليه الصلاة والسلام " الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينثران في الجنة وهما مقبرتا مكة والمدينة " وعن ابن مسعود " وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثنية الحجون وليس بها يومئذ مقبرة فقال: يبعث الله من هذه البقعة ومن هذا الحرم كله سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر " وعن النبي صلى الله عليه وسلم " من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام " (من استطاع) بدل من الناس، وروي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة " وكذا عن ابن عباس وابن عمر وعليه أكثر العلماء. وعن ابن الزبير هو على قدرة القوة. ومذهب مالك أن الرجل إذا وثق بقوته لزمه، وعنه ذلك على قدر الطاقة، وقد يجد الزاد والراحلة من لا يقدر على السفر وقد يقدر عليه من لا زاد له ولا راحلة. وعن الضحاك إذا قدر أو يؤجر نفسه فهو مستطيع، وقيل له في ذلك فقال: إن كان لبعضهم ميراث بمكة أكان يتركه بل كان ينطلق إليه ولو حبوا، فكذلك يجب عليه الحج. والضمير في (إليه) للبيت أو للحج وكل مأتي إلى الشئ فهو سبيل إليه. وفي هذا الكلام أنواع من التوكيد والتشديد: منها قوله تعالى - ولله على الناس حج البيت - يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لا ينفكون عن أدائه والخروج من عهدته. ومنها أنه ذكر الناس ثم أبدل عنه من استطاع إليه سبيلا، وفيه ضربان من التأكيد: أحدهما أن الإبدال تثنية للمراد وتكرير له. والثاني أن الإيضاح بعد الإبهام
(٤٤٨)
مفاتيح البحث: الحج (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 ... » »»