الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٥٢
كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون.
____________________
الوقوع في النار بالعقود على حرفها مشفين على الوقوع فيها (كذلك) مثل ذلك البيان البليغ (يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) إرادة أن تزدادوا هدى (ولتكن منكم أمة) من للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات، ولأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشر، فإن الجاهل ربما نهى عن معروف وأمر بمنكر، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر، وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكار إلا تماديا، أو على من الإنكار عليه عبث كالإنكار عن أصحاب المآصر والجلادين وأضرابهم. وقيل من للتبيين بمعنى:
وكونوا أمة تأمرون كقوله تعالى - كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون - (وأولئك هم المفلحون) هو الأخصاء بالفلاح دون غيرهم، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه سئل وهو على المنبر من خير الناس؟ قال: آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم " وعنه عليه الصلاة والسلام " من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه " وعن علي رضي الله عنه: أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من شنئ الفاسقين وغضب لله غضب الله له. وعن حذيفة: يأتي على الناس زمان تكون فيهم جيفة الحمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وعن سفيان الثوري: إذا كان الرجل محببا في جيرانه محمودا عند إخوانه فاعلم أنه مداهن. والأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب وإن كان ندبا فندب. وأما النهي عن المنكر فواجب كله لأن جميع المنكر تركه واجب لاتصافه بالقبح.
فإن قلت: ما طريق الوجوب؟ قلت: قد اختلف فيه الشيخان، فعند أبي علي السمع والعقل، وعند أبي هاشم السمع وحده. فإن قلت: ما شرائط النهي؟ قلت: أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح لأنه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا لأن الواقع لا يحسن النهي عنه وإنما يحسن الذم عليه والنهي عن أمثاله، وأن لا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد في منكراته، وأن لا يغلب على ظنه أن نهيه لا يؤثر لأنه عبث. فإن قلت: فما شروط الوجوب؟ قلت: أن يغلب على ظنه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وأن لا يغلب على ظنه أنه إن أنكر لحقته مضرة عظيمة. فإن قلت: كيف يباشر الإنكار؟ قلت: يبتدئ بالسهل فإن لم ينفع ترقى إلى الصعب، لأن الغرض كف المنكر، قال الله تعالى - فأصلحوا بينهما - ثم قال
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»