الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٤٣
والله لا يهدي القوم الظالمين. أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحين. إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون. إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم
____________________
الرسول حق (والله لا يهدي) لا يلطف بالقوم الظالمين المعاندين الذين علم أن اللطف لا ينفعهم (إلا الذين تابوا من بعد ذلك) الكفر العظيم والارتداد (وأصلحوا) ما أفسدوا أو ودخلوا في الصلاح، قيل نزلت في الحرث بن سويد حين ندم على ردته وأرسل إلى قومه أن سلوا هل لي من توبة؟ فأرسل إليه أخوه الجلاس بالآية، فأقبل إلى المدينة فتاب وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم توبته (ثم ازدادوا كفر) هم اليهود كفر بعيسى والإنجيل بعد إيمانهم بموسى والتوراة - ثم ازدادوا كفرا - بكفرهم بمحمد والقرآن، أو كفروا برسول الله بعد ما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم على ذلك وطعنهم فيه في كل وقت، وعداوتهم له ونقضهم ميثاقه وفتنتهم للمؤمنين وصدهم عن الإيمان به وسخريتهم بكل آية تنزل. وقيل نزلت في الذين ارتدوا ولحقوا بمكة وازديادهم الكفر أن قالوا: نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون، وإن أردنا الرجعة نافقنا بإظهار التوبة. فإن قلت: قد علم أن المرتد كيفما ازداد كفرا فإنه مقبول التوبة إذا تاب فما معنى (لن تقبل توبتهم)؟ قلت: جعلت عبارة عن الموت على الكفر، لأن الذي لا تقبل توبته من الكفار هو الذي يموت على الكفر كأنه قيل: إن اليهود أو المرتدين الذين فعلوا ما فعلوا مائتون على الكفر داخلون من جملة من لا تقبل توبتهم. فإن قلت: فلم قيل في إحدى الآيتين لن تقبل بغير فاء وفي الأخرى فلن يقبل؟ قلت: قد أوذن بالفاء لأن الكلام بني على الشرط والجزاء، وأن سبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر، وبترك الفاء أن الكلام مبتدأ وخبر ولا دليل فيه على التسبب كما تقول الذي جاءني له درهم لم تجعل المجئ سببا في استحقاق الدرهم بخلاف قولك فله درهم، فإن قلت: فحين كان معنى لن تقبل توبتهم بمعنى الموت على الكفر فهلا جعل الموت على الكفر مسببا عن ارتدادهم وازديادهم الكفر لما في ذلك من قساوة القلوب وركوب الرين وجره إلى الموت على الكفر. قلت: لأنه كم من مرتد مزداد للكفر يرجع إلى الإسلام ولا يموت على الكفر. فإت قلت: فأي فائدة في هذه الكناية: أعني أن كنى عن الموت على الكفر بامتناع قبول التوبة؟ قلت: الفائدة فيها جليلة وهي التغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفار وإبراز حالهم في صورة حال الآيسين من الرحمة التي هي أغلظ الأحوال وأشدها، ألا ترى أن الموت على الكفر إنما يخاف من أجل اليأس من الرحمة (ذهبا) نصب على التمييز، وقرأ الأعمش ذهب بالرفع ردا على ملء كما يقال عندي عشرون نفسا رجال. فإن قلت: كيف موقع قوله (ولو افتدى به)؟ قلت: هو كلام محمول على المعنى كأنه قيل
(٤٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 438 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 ... » »»