الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٤٦
قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فمن افترى على الله الكذب. من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون. قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة
____________________
حرمت على من قبلنا، وغرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي والظلم والصد عن سبيل الله وأكل الربا وأخذ أموال الناس بالباطل وما عدد من مساويهم التي كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات عقوبة لهم (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها) أمر بأن يحاجهم بكتابهم ويبكتهم مما هو ناطق به من أن تحريم ما حرم عليهم تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما يدعونه، فروي أنهم لم يجسروا على إخراج التوراة وبهتوا وانقلبوا صاغرين. وفي ذلك الحجة البينة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جواز النسخ الذي ينكرونه (فمن افترى على الله الكذب) بزعمه أن ذلك كان محرما على بني إسرائيل قبل إنزال التوراة من بعد ما لزمهم من الحجة القاطعة (فأولئك هم الظالمون) المكابرون الذين لا ينصفون من أنفسهم ولا يلتفتون إلى البينات (قل صدق الله) تعريض بكذبهم كقوله - ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون - أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل وأنتم الكاذبون (فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا) وهي ملة الإسلام التي عليها محمد ومن آمن معه حتى تتخلصوا من اليهودية التي ورطتكم في فساد دينكم ودنياكم حيث اضطرتكم إلى تحريف كتاب الله لتسوية أغراضكم وألزمتكم تحريم الطيبات التي أحلها الله لإبراهيم ولمن تبعه (وضع للناس) صفة لبيت والواضع هو الله عز وجل، تدل عليه قراءة من قرأ وضع للناس بتسمية الفاعل وهو الله، ومعنى وضع الله بيتا للناس أنه جعله متعبدا لهم، فكأنه قال: إن أول متعبد للناس الكعبة. وعن رسول الله صلى عليه وسلم " أنه سئل عن أول مسجد وضع للناس فقال: المسجد الحرام ثم بيت المقدس، وسئل كم بينهما؟ قال: أربعون سنة ". وعن علي رضي الله عنه أن رجلا قال له: أهو أول بيت؟
قال لا، قد كان قبله بيوت ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة والبركة، وأول من بناه إبراهيم، ثم بناه قوم من العرب من جرهم، ثم هدم فبنته العمالقة، ثم هدم فبناه قريش. وعن ابن عباس هو أول بيت حج بعد الطوفان، وقيل هو أول بيت ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض خلقه قبل الأرض بألفي عام، وكان زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض تحته، وقيل هو أول بيت بناه آدم في الأرض، وقيل لما أهبط آدم قالت له الملائكة: طف حول هذا البيت فلقد طفنا قبلك بألفي عام، وكان في موضعه قبل آدم بيت يقال له الضراح، فوقع في الطوفان إلى السماء الرابعة تطوف به ملائكة السماوات (للذي ببكة) للبيت الذي ببكة وهي علم للبلد الحرام ومكة وبكة لغتان فيه نحو قولهم النبيط والنميط في اسم موضع بالدهناء ونحوه من الاعتقاب أمر راتب وراتم وحمى مغمطة ومغبطة، وقيل مكة البلد وبكة موضع المسجد وقيل اشتقاقها من بكه إذا زحمه لازدحام الناس فيها. وعن قتادة يبك الناس بعضهم بعضا الرجال والنساء يصلي بعضهم بين يدي بعض لا يصلح ذلك إلا بمكة كأنها سميت ببكة وهي الزحمة،
(٤٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 441 442 443 444 445 446 447 448 449 450 451 ... » »»